بعد أيام قليلة تمر الذكرى العاشرة لأحداث 11 سبتمبر عام 2001. في صباح ذلك اليوم، جرى هجوم منسق، بطائرات مدنية على برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك ومبنى البنتاجون في العاصمة الأمريكية، واشنطن. بمعنى أن الهجمات الانتحارية استهدفت مكمني قوة الإمبراطورية الأمريكية: الاقتصاد والقوة العسكرية. وقد قدر عدد القتلى جراء تدمير مركز التجارة بأكثر من ألفي قتيل. وكانت طريقة تنفيذ هذه العمليات سابقة في التاريخ الإنساني. وكان أول عمل عسكري يوجه لمدن أمريكية، بعد الهجوم الياباني على بيرل هاربور أثناء اشتعال الحرب العالمية الثانية.

إثر حوادث سبتمبر، وقبل أن تزال الأنقاض عن مواقعها، أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش ما أطلق عليه في حينه بـ "الحرب على الإرهاب". وقد تضمنت خطط هذه الحرب تغيير الحكومات التي تؤوي "الإرهابيين" وتقدم لهم الدعم والتأييد. وتماثلت في هذا السياق، لغة الحديث بين بن لادن قائد القاعدة آنئذ، والرئيس الأمريكي، حول تقسيم العالم إلى فسطاطين: الخير والشر. وأشار بوش بوضوح إلى "أن من ليس معنا في الحرب على الإرهاب فهو ضدنا". وحدد الخط الأول لمحور الشر في العراق وإيران وكوريا الشمالية، لكن العراق هو البلد الوحيد الذي تعرض للعدوان والاحتلال ضمن دول المحور.

وتحت شعار الحرب على الإرهاب، وتجفيف منابع الدعم للإرهابيين، بحرمان التنظيمات الإسلامية التي وصفت بالتطرف من التدفق المالي، ومن ضمنها منظمات المقاومة الفلسطينية، وبعض حركات التحرر في العالم. وشهدت الولايات المتحدة والعالم، عودة للمكارثية. كما جرى تسعير حالة العداء مع العالم الإسلامي، ووصم الإسلام ظلما وجورا بما ليس منه.

ومن جانب آخر، جرى حديث عن نية أمريكية في إشاعة قيم الديمقراطية بالبلدان العربية، بادعاء أن من الدوافع التي أدت إلى حوادث سبتمبر هي حالة الاحتقان بالمجتمعات العربية، جراء هيمنة أنظمة الاستبداد التي دعمت في السابق، من قبل الإدارات الأمريكية، وأن الولايات المتحدة حملت مسؤولية استمرارية الأنظمة الديكتاتورية في الحكم. ووفقا لهذا التصور، فإن حوادث سبتمبر هي تعبير عن بلوغ حالة الإحباط واليأس مرحلة خطيرة، أدت بالغاضبين إلى ارتكاب جريمتهم. إن معالجة ذلك، تقتضي الإطاحة بأنظمة الاستبداد، وإشاعة الديمقراطية وروح التسامح ونبذ الكراهية.

وكان احتلال أفغانستان، هو المحطة الأولى فيما أطلق عليه "الحرب على الإرهاب". وجرى ذلك على وجه السرعة، بعد أسابيع محدودة من أحداث سبتمبر، في بلد أنهكته الحروب. وفي المراحل الأولى لهذه الحرب، لم تكن كلفة الأمريكيين في الأرواح والمعدات عالية، لكنها بالتأكيد كانت كبيرة جداً في صفوف الأفغان، كلفتهم أضعاف عدد الذين سقطوا في نيويورك وواشنطن جراء عاصفة سبتمبر. لكن التطورات التي جرت على مسرح الحرب في الأعوام اللاحقة، قد جعلت أفغانستان تتحول إلى جحيم تحت أقدام الغزاة.

وكان الهجوم على العراق، هو المحطة الثانية في “الحرب على الإرهاب”. وإذا كانت الحرب على أفغانستان، قد بدت مبررة، كون طالبان احتضنت ابن لادن وتنظيم القاعدة، فإن أسباب الحرب على العراق بدت واهية. واستندت إلى ذرائع تكشف بطلانها، كان في مقدمتها أن العراق يحتفظ بترسانة ضخمة من أسلحة الدمار الشامل، وأنه يقدم الدعم لتنظيم القاعدة.. وكان من نتائج احتلال العراق، تفتيته إلى محاصصات وقسمة بين الاثنيات والطوائف.

وفي المحطات الأخرى "في الحرب على الإرهاب" شهدت الأراضي الفلسطينية، هجوما شرسا نفذه رئيس الحكومة الإسرائيلية، أرييل شارون بالضفة الغربية وقطاع غزة، وتواصل لاحقا مع مختلف الحكومات الإسرائيلية، حتى يومنا هذا.. وجرى احتجاز الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في مقر إدارة السلطة برام الله حتى استشهاده، وتم اغتيال عدد كبير من القيادات الفلسطينية في حماس والجهاد والشعبية، وفي مقدمتهم أبو علي مصطفى والشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي، وعشرات آخرون، وقطعت الضفة الغربية إلى أوصال، وعزل قطاع غزة، وأقيم الجدار العازل، وحوصرت المخيمات والبلدات والمدن، وفرض حصار اقتصادي جائر على المناطق المحتلة.

وكان الموقف الأمريكي من انتصار حركة حماس في الانتخابات البرلمانية الفلسطينية، وحصدها عدداً كبيراً من المقاعد، وبالتالي تسلمها لإدارة السلطة الفلسطينية، قد كشف زيف الادعاء الأمريكي بأن الحرب على الإرهاب تستهدف إشاعة الديمقراطية. فمنذ الوهلة الأولى لإعلان النتائج، اتخذت الإدارتان “الإسرائيلية” والأمريكية موقفاً معاديا لفوز حماس، ومارستا عقوبات جماعية بحق الفلسطينيين، وفرض حصار شامل على قطاع غزة، بقي قائما حتى يومنا هذا.

اتضح للقاصي والداني، أن الديمقراطية الأمريكية، تعني الخضوع للابتزاز الأمريكي والصهيوني، وأن ما تفرزه صناديق الاقتراع لا يعني شيئاً بالنسبة لصانع القرار الأمريكي، إذا لم يتمخض عنها وصول عناصر موالية للعدوان. وكان العدوان على جنوب لبنان محطة أخرى في هذه الحرب، التي يخرج من رحمها مخاض الولادة لشرق أوسط جديد، وفقا لتصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية، كونداليزا رايس، وكان التدمير مهولا والمقاومة ضارية. وكان الهدف هو تحقيق انكشاف لبنان أمام الكيان الصهيوني، واستكمال تنفيذ القرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، والتمهيد لتطبيق خطة أولمرت لإعلان حدود نهائية للدولة العبرية، والانتقال بالنظام الإقليمي العربي، إلى نظام شرق أوسطي.

وعلى الصعيد الاقتصادي شهد العالم الصناعي، بسبب الحروب التي خاضتها الإدارة الأمريكية، وشاركها فيها الحلفاء الأوروبيون، أقسى أزمة اقتصادية منذ الأزمة التي شهدها العالم في ثلاثينيات القرن المنصرم، وما زال العالم بأسره يعاني من آثارها.

هناك محاور أخرى في هذا الصدد جديرة بالقراءة والتحليل، نواصلها في الحديث القادم بإذن الله تعالى.