ثنائية جديدة للموت والخضار وعلاقة غريبة ومثيرة بينهما، ابتكرها البوعزيزي - رحمه الله - بإحراقه لنفسه (انتحاراً) على عربة الخضار الخاصة به، وهذا الحدث رغم أبعاده الواسعة وآفاقه الكبيرة التي أسفرت عن بزوغ ربيع عربي شابت خضرته حمرة الدماء، إلا أننا نجد من يجرد الحدث من كل أبعاده ويصنع منه متلازمة يسهل تكرارها في كل زمان ومكان، فوجود فساد وخضار يعني انتحار، وولادة بوعزيزي آخر، ولو كان ما بعده خريفاً..
لعل هذا مادفع أحد المواطنين إلى التهديد بالانتحار إن وقف أحد في وجهه، نتيجة اكتشافه لصندوق خيار فاسد في أحد الأسواق، رغبة منه في تصعيد الموقف لسبب ما قد لا يكون واضحاًَ، فهو إما يقصد فضح هذا السوق وتشويه سمعته أو لرفع المظلومية عن الخيار الفاسد، أولأنه لم يشأ تفويت الفرصة لصنع مجد شخصي لنفسه لأنه وجد جميع أركان نجاح ثورة البوعزيزي المادية متوفرة أمامه، خضار + فساد + مواطن مغبون، غير مكترث بنوع الفصل الذي سيأتي بعده، حتى لو كان خريفاً.. ولو لجأ كل من اكتشف صندوق خضار فاسد إلى إحراق نفسه، فلن يتبقى أحد يحرق نفسه عندما يكتشف فساداً إدارياً أو مالياً في مؤسسة ما أهلية كانت أو حكومية ممن يتضرر بفسادها المجتمع بأسره، لست بصدد إيجاد المبررات لأصحاب السوق ولست هنا للدفاع عن حماية المستهلك التي في مواطن كثيرة يتضح أنها لا تعلم شيئاً عن هذا المستهلك المغلوب على أمره، الذي وضع كل ثقته فيها ونام قرير العين، لكنني كنت أتمنى لو عبّر هذا المواطن عن استيائه من (فساد الخيار) بطريقة أكثر تحضراً ورقياً، واكتفى بالاعتذار الذي قدمه له المسؤولون إكراماً لشخصه وحفظاً لكرامته، والتمس لإخوانه العذر (وحطّها بظهر ارتفاع درجة الحرارة) مما يؤدي إلى فساد الفواكه والخضار بسرعة كبيرة.
أنا لا أنصح كل من وجد صندوق خضار فاسد بالانتحار، لأن النتيجة (ما تسوى)
"ماحد سائل عنه" لأنه هو اللي قتل نفسه + إعطاء الورثة قيمة الصندوق الفاسد إذا كان قد دفع قيمته + ولن يصلي عليه أحد لأنه أتى كبيرة من الكبائر. و "يادار ما دخلك شر".