من وجهة نظري، أو بالأصح، من تجربتي ككاتب، يظل مثل هذا اليوم بالتحديد موعداً ملائماً ومناسباً لأقوى مقال سنوي. هذا اليوم هو عودة الحياة إلى طبيعتها. الطلاب في المدارس والموظفون على مكاتبهم وحمى التصريحات تبدأ من اليوم دورتها الموسمية. أمامي الآن عشر أفكار للكتابة. أشطب على بعضها لأنها فوق السقف الذي لا تستطيع أصابعي أن تصل إليه. أركن بعضها جانباً لأنها لا تناسب طبيعة المرحلة. أساوم على ما تبقى من الأفكار العشر: بعضها تستطيع دغدغته بحذر. بعضها الآخر يحتاج إلى التفاف لغوي وتحويلة بلاغية حتى تصل الفكرة دون أن تجرح أو تحرج أحدا. اكتشفت أن (جرح وحرج) يكتبان بذات الحروف مع تبديل المواقع. بقي أمامي ما يقارب الفكرتين للكتابة في اليوم الملائم لأقوى مقال سنوي: أسعار الشعير التي لا (تحرج) سوى البهائم، وحق المرأة أن تشم الهواء فوق سطح منزلها وهذا لا (يجرح) مشاعر أحد.

عدت للفكرة الأولى في أول السطر: صاحب المعالي فضيلة رئيس مجلس القضاء الأعلى يعترف لهذه الصحيفة ما قبل الأمس أنه اكتشف أن التفتيش القضائي متأخر. لا تتحمل طبيعة المرحلة أن تغلق على هذا التصريح إلا بجملة وحيدة: ولماذا تأخر هذا التفتيش إن كان القاضي الرسمي الأول الذي تم تعيينه في هذه البلاد قد باشر قبل ثمانين عاماً ومات أيضاً قبل أربعة عقود؟ أكثر من هذه الجملة قد تعرضني بشكل شخصي، وخاص أيضاً، لحملة تفتيش. هربت للفكرة الثانية. فضيلة الشيخ عبدالمحسن العبيكان يقول برأيه المدوي حول الهيئة. لا تسعفني علوم البلاغة ودلالة الألفاظ على نقاش الفكرة بتحويلة مناسبة. اكتشفت أن التحويلة ستأخذني لوادٍ سحيق لا يستطيع فيه جسدي النحيل أن يقاوم السيل الجارف. بقي لي تصريح سمو رئيس رعاية الشباب الذي قال فيه إنه كان سيلعب بنفسه ضد أستراليا لو أن لياقته ستسعفه. لماذا لم ترفعوا لياقة أشباه اللاعبين؟ والخلاصة أنني تعبت جداً كي أكتب لكم اليوم أقوى مقال موسمي. ولكم فضلاً أن تشكروني لأنني اجتهدت في هذه الظروف لأكتب لكم أضعف مقال موسمي. كتبت لكم على طريقة مثلنا الشعبي: "الحذف ولا القفّا".