تقول فلانري أوكونورحين تصف عصرنا الحالي إنه "في أفضل الحالات يمكن أن نعتبره عصر الباحثين والمكتشفين، وأسوأها هو ما تم فيه من تدجين لليأس، وتعلم كيفية التعود على معايشته وبسعادة"، كيف يمكننا مقاومة كل مظاهر وإغراءات اليأس وهي تحاصرنا من كل جهة؟! لسبب واضح وحيوي، لأن اليأس ترف لا نملك ثمنه!

قد يقول البعض لقد اعتدنا على خيبات الأمل، وتلازمت أيامنا مع الحسرة القابعة على بركان من انفجارات الغضب، الذي لا يلبث أن يظهر حتى يسحب منه الفتيل بالرضا أو بغيره، لقد مررت بالكثير من هذا وهذا وذاك وفي كل مرة أقول لنفسي لا يمكن أن أصدم أكثر، ولكن يأتي الجديد بأسوأ مما قبله! وأتساءل: متى سننضج كوطن عربي، ونرى الصورة بأكملها بماضيها وحاضرها وأخطار مستقبلها؟ متى سنقف مشاهدين ونحن نرى أجزاء من شعوبنا تساق كالحملان إلى المذبح، دون تفكير، لأن الحملان لا يفترض لها أن تفكر؟! مهما كانت اختلافاتنا لا يمكن بل يجب ألا نسمح لأحد غيرنا أن يحلها، ما هو نابع من كل ما يجمعنا، تاريخ، لغة، ثقافة، عرق وأديان، لا بد أنه يحتوي على علاج ما، حل ما، المهم ألا نستمر في جهلنا بما يجري، فنحن لا نملك ثمنه أيضا! بل هو اختيار سيدفع أبناؤنا ثمنه من ثروات بلادهم وحرياتهم لعقود إن لم يكن لقرون قادمة، لماذا نصغي لمن يعتبر أن الحروب مكاسب بل رحمة، ألم يقل أحد زعمائهم يوما، جورج دبليو بوش: "أريدكم فقط أن تعرفوا أنه عندما نتحدث عن حرب، نحن نتحدث عن السلام"؟!

لماذا نصغي لمن يتغاضى عن التعذيب وقد يحرض عليه إن احتاج الأمر، طالما أنه لا يمس أبناء أمته، وفوق كل ذلك يكمل مسيرة الدمار بمساندة كل من قام ويقوم بهز اقتصاد العالم، بل يتم تسليمهم إدراة الاقتصاد العالمي للمزيد من الضمان والحماية، أناس أصلا لا يؤمنون بالحريات ولا الديموقراطية، اللهم ما يخدم مصالحهم ويزيد مخازنهم تخمة وتورما، من أموال شعوبهم وشعوب العالم فوق البيعة؟!

أناس قد يكونون أذكياء على المستوى العملي ولكنهم مجردون من الأخلاق، وهذا هو المدخل إلى تجميدهم، إيقافهم، وإسقاطهم إن نحن توحدنا بإذن الله،

كتب علينا أن نشهد مولد ونشأة قرارات إقليمية ودولية، كتب علينا أن نعاصر حروبا وثورات، ورأينا التأثيرات السلبية أكثر من الإيجابية منها على أمتنا، فتعلمنا من هذه التجارب ما فشلت مدارسنا على اختلاف توجهاتها ومناهجها أن تعلمنا إياه، قد نُسلب بمفهوم، برؤية، بنظرية تصدح على مدرجات وصروح مؤسساتنا التعليمية لتحول الصالح طالحا، والقيم عقبات، وقد نسلب برصاص بندقية، ولكننا أيضا نسلب باتفاقية، كلمات، حبر، و...أقلام!

واليوم ونحن في هذا المنعطف الخطير من تاريخ أمتنا، يجب ألا ندع الغير يختار لنا معاركنا، نحن من كان يقرر، نحن من كان يدرس يُقدر ويعالج، وعليه نحن من يجب أن يحدد لماذا وأين ومتى وكيف، والأهم من كل ذلك بأيدي من ولمصلحة من! لنقف ونفكر، لا نريد من يعلمنا الصيد ويسلب بحرنا ويلوث جونا ويستعبد أبناءنا بذريعة الوصاية والمساعدة على إعادة البناء! نعم الطريق طويل والتحديات تصل إلى حد الخطر وقد تكون مزمنة.. نعم لدينا اختلافات ومشاكل، ولكن نحن قادرون طالما أننا تخلينا عن ذاك العائق الذي يسمى اليأس، طالما أننا سنمد أيدينا لإخوتنا لأبناء عمومتنا، وليس لمن يريد أن يقطعها ويطالبنا فيما بعد بالثمن!