شهد الشهر المنصرم تذبذبات حادة في أسواق المال وانقلاب الروح التشاؤمية السائدة إزاء أداء الاقتصاد العالمي إلى نسمة من التفاؤل. وليس أدل على ذلك من وصول سعر أونصة الذهب إلى سعر قياسي هو 1913 دولارا في 23أغسطس الماضي، ومن ثم تراجعه بنحو 145 دولارا إلى 1768 للأونصة حتى كتابة هذا المقال.

فمنذ تخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة وما تبعه من مراجعات سلبية لتوقعات النمو في البلدان الصناعية والعالم أجمع، تراجعت كافة الأسواق وارتفع الدولار لبقائه الملاذ الآمن مع انخفاض سعر النفط صاحب العلاقة العكسية مع الدولار.

وتفاقمت المشكلات بعد الأخبار الواردة من أوروبا في ذلك الوقت، والتي أشارت إلى أنها على شفير هاوية مع دخول إيطاليا إلى مجموعة الدول المشكوك في قدرتها على سداد ديونها، وخصوصا بعد وصول احتمالية تخلف اليونان عن السداد إلى 98%.

إلا أن ما جرى بعد ذلك هو انقلاب جذري في العلاقات الاقتصادية العالمية القائمة، فقد ثبتت سويسرا سعر صرف الفرنك أمام اليورو عند 1.2 يورو لتدعمه.

كما أن اليورو القوي من مصلحة أوروبا، حيث إنه يتيح لدول الجنوب المثقلة بالديون والمعتمدة على صناعة السياحة تحديدا دخلا أكبر, وبالإضافة إلى ذلك، فإنه يفتح شهية المستثمرين في السندات الأوروبية، والتي هي بأمس الحاجة إلى المال لتغطية ديونها القائمة.

وانقلبت الآية في الأسواق بسبب 3 عوامل، أولها تصريح ميركل أن اليونان لن تتخلف عن السداد مهما كلف الأمر، قاطعة الطريق أمام أزمة مالية جديدة من نوع أزمة ليمان برذرز في 2008 تصيب البنوك الأوروبية الواحد تلو الآخر.

والثاني كان في تدخل الصين لشراء كميات كبيرة من طرح السندات الجديدة الذي قامت به إيطاليا لتصبح لاعبا رئيسا في منطقة اليورو، أما الثالث فهو اتفاق مسؤولي البنوك المركزية العالمية الرئيسة، وهي الأميركي والأوروبي والبريطاني والياباني والسويسري على زيادة حجم النقد في أسواق المال بالحد الذي يغطي احتياجات منطقة اليورو. وبمعنى آخر، فإن حل أزمة منطقة اليورو، وإن كانت بدايته جاءت من القارة العجوز، إلا أنه تصاعد لمستوى دولي تدخلت فيه كافة الأطراف من الشرق والغرب.

فكما أن أوروبا تريد يورو قويا، فإن أمريكا تحبذ بقاء الدولار ضعيفا. والصين تريد المزيد من النفوذ في الاقتصاد العالمي الجديد بعد أن أحكمت سيطرتها على علاقة اليوان بالدولار.

وكل هذا التدخل لا يعني أن اللاعبين الجدد يقتاتون على مائدة اليورو، بل إنهم يستفيدون من مد نفوذهم إلى أن يأتي وقت يمكنهم من فرض أجنداتهم.

فبحسب المحللين الأوروبيين، فإن اليونان، ومنطقة اليورو تباعا، تحتاج إلى قرابة 30 عاما لتتعافى بالكامل من آثار أزمتها المالية.

في الأسبوع القادم أستكمل حديثي عن التضخم في السعودية، وخصوصا مجموعة الإيجارات والترميم.