يرى الكثير من عقلاء السياسة في لبنان أن بلدهم، بلد العسل والبخور، ينهي السنة العاشرة من القرن الواحد والعشرين وأمامه أهم استحقاق في تاريخه الحديث يتمثل بما سيؤول إليه مصير المحكمة الدولية التي أنشأها مجلس الأمن تحت الفصل السابع لمعرفة من دبر ونفذ اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري قبل ما يقارب السنوات الخمس التي شهدت مآسي وعواصف سياسية وأمنية واجتماعية واقتصادية دفع اللبنانيون الثمن غاليا لها. وشكلت السنة الماضية سنة الأزمات العاصفة بالنسبة إلى جميع اللبنانيين، إذ لم يمر منها يوم إلا وكان الانقسام والاختلاف والتناقض عنوانا أساسيا بعد أن ظهرت المواقف وتبلورت الاتجاهات في الصراع المحلي ـ الإقليمي الحاد الذي باتت أداته الوحيدة عمليا المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.

قرائن نصرالله

واستعان حزب الله وأمينه العام حسن نصرالله في حملته المتصاعدة لضرب مصداقية المحكمة الدولية بالكثير من الأدوات السياسية والقانونية والتكنولوجية والأمنية، كان أهمها ما سماه "قرائن ومعطيات" تشير إلى تورط إسرائيل بعملية الاغتيال، داعيا إلى التحقيق فيما تقدم به. وفي حين لم تلق هذه الدعوة صدى لدى الأكثرية في لبنان ولا في أروقة المحكمة الدولية، فتح مع حلفائه ما يسمى بـ"ملف شهود الزور" وربط كل المسار القضائي والتحقيقي في اغتيال الحريري بإحالة شهود الزور إلى المجلس العدلي في لبنان في محاولة لنقل القضية الأم من يد القضاء الدولي إلى القضاء المحلي.

ورد الأكثرية

واجهت الأكثرية الحملة المنظمة لحزب الله بعناد وتمسَّكت بما توافق عليه جميع الأطراف على طاولة الحوار من إقرار للمحكمة الدولية، ودافعت عن رفضها لإحالة ملف شهود الزور بالتأكيد على بطلان وجهة نظر حزب الله التي تقول: إن شهود الزور هم المدخل لمعرفة الحقيقة في عملية الاغتيال.

الـ"سين سين"

في هذه الأثناء كانت الاتصالات السعودية السورية، المباشرة وغير المباشرة، تشكل غطاء سياسيا لمنع وصول أطراف الصراع المحلي إلى مرحلة التفجير، ونجحت هذه المساعي في تبريد الرؤوس الحامية بوعد أن البحث في آليات التسوية يسير وإن ببطء وحذر.

ويراهن قسم كبير من اللبنانيين، بعد فشل أهل السياسة اللبنانية في التوصل إلى حل، على الاتصالات السعودية السورية وأبعادها الإقليمية والدولية، للخروج بحل يرضي الأطراف المعنية.