قبل ثمانية عقود من الزمن، كانت هذه الأمة العظيمة عبارة عن إمارات وأجزاء متنافرة ومتناحرة، يسودها الجهل والتخلف والفوضى، ويُسيطر عليها الفقر والخوف والضعف والعزلة، تتقاذفها المحن والحروب والانقسامات، مجرد صحراء قاحلة لا حياة فيها، وبقعة مهملة على حافة النسيان، ولكنها وبعد ملحمة بطولية رائعة استمرت لأكثر من ثلاثة عقود من الكفاح والنضال والجهاد، توحدت ضمن كيان واحد في تجربة فريدة لم يشهد التاريخ العربي الحديث مثيلاً لها. ولم يكن لهذا الإنجاز الكبير أن يتحقق لولا الرغبة الصادقة والعزيمة القوية والإرادة الصلبة التي تمتع بها أبناء هذا الوطن العزيز، قادة كبارا ومواطنين مخلصين.
تلك القصة الرائعة في حياة وطن يرفض العيش في الظل ويعشق النور، وطن نفض غبار الفرقة والخصومة والتبعية، ليبدأ مسيرة الوحدة الوطنية على تراب مترامي الأطراف لا حدود له، وطن يتوق للإنجاز تلو الإنجاز، ويحصد الإعجاب والاحترام من أعدائه قبل أصدقائه. منذ ذلك الوقت المبكر جداً، بدأت مسيرة الإصلاح والبناء والازدهار، وشهدت البلاد نهضة حضارية وعمرانية واقتصادية وثقافية واجتماعية، وخطت بكل ثقة وثبات نحو التنمية الشاملة التي طالت كل الميادين والمجالات، لتصبح الدولة الأكثر نمواً وتطوراً بين الكثير من الدول التي سبقتها تكوناً.
ولكن، ما سر هذا النجاح المذهل لوطن خرج للتو من محيط يُسيطر عليه الاقتتال والتمزق؟. هل هناك ثمة معجزة؟. بكل بساطة، الأمر ليس كذلك، ولا يحتاج إلى فذلكات إنشائية أو تحليلات تنظيرية من هنا أو هناك. إنه الأمل الكبير بالمستقبل المشرق الذي آمن به أبناء هذا الوطن العزيز بمختلف مكوناتهم وتوجهاتهم، مستندين على إيمانهم العميق بالله عز وجل، وعلى حضارة عربية وإسلامية عريقة، وإمكانات مادية وبشرية استثنائية أذهلت العالم، كل العالم.
في يوم الوطن، يعذب القصيد، وتنساب الحروف بأحلى الكلمات، وتعم البهجة كل الفضاءات المنتشية بحب هذا الوطن الكبير الذي نُحسد عليه. في يوم الوطن، تكبر الفرحة في كل القلوب العاشقة لتراب هذه الأرض الطاهرة. في يوم الوطن، تسمو الكلمات في وصف الوطن، وهل هناك أجمل من هذا الوطن، وهل هناك شيء يعدل حب الوطن!
في مثل هذا اليوم من كل عام ــ بل وفي كل يوم ــ تطل علينا الذكرى الغالية على قلوبنا، ذكرى يوم الوطن، لتنثر في أجوائنا بشائر الخير والفرح والسعادة والأمل، ولتؤكد مجدداً عمق الانتماء وصدق المشاعر لتراب هذا الوطن العظيم. في يوم الوطن، ما أحوجنا نحن أبناء هذا الوطن، وفي مثل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها أمتنا العربية، بل وكل العالم، من أن نغلب حب هذا الوطن الرائع على كل شيء، نحن بحاجة ماسة لإشاعة ثقافة الحب والتسامح والألفة والإخاء والقبول بين كل مكونات وفئات وطوائف وتيارات الوطن، فنحن في نهاية المطاف إخوة تربطنا وشائج الدم والدين والوطن.
في مثل هذا اليوم بالذات، وقلوبنا قبل أعلامنا ترفرف مزدانة بحب الوطن، ودعواتنا قبل قصائدنا تلهج بالدعاء لحفظ تراب هذا الوطن من كل سوء يتربص بنا. في مثل هذا اليوم، نحن بحاجة للوقوف ضد كل من يحاول النيل من أمن واستقرار هذا الوطن، سواء من الداخل أو من الخارج، ففي سبيل الوطن لا مكان للاعتبارات أو الاستثناءات. هذا الوطن الكبير، هذا الوطن الثري، يسعنا جميعاً بلا استثناء، فلننبذ كل أسباب الفرقة والتعصب، ونزرع بذور الحب والاحترام والتقدير والتسامح، لأن هذا الوطن يستحق المجد.