خمسة أيام في سوق عكاظ، كانت أشبه برحلة حالمة في عالم الشعر والأدب والثقافة والفن، رحلة إلى ذلك الزمن الجميل، في تلك الفترة البعيدة التي امتدت ما بين القرن الذي سبق ظهور الإسلام وحتى عام 129، حينما دمّر الخوارج سوق عكاظ ونهبوا كل محتوياته، ليصمت الشعر ــ وهو ديوان العرب ــ في ذلك السوق الشهير كل تلك القرون الطويلة.

لقد نجح خالد الفيصل وفريقه الرائع في وضع هذا الملتقى الثقافي في صدارة المشهد الثقافي بعد غياب طويل، حيث أصبح الآن، وبعد 5 سنوات فقط، محطة شعرية وثقافية هامة في خريطة الملتقيات والمنتديات الكبرى التي تحظى بإعجاب واهتمام ومشاركة المثقفين والنخب والأوساط العلمية والثقافية، ليس على الصعيد المحلي والعربي وحسب، بل وعلى الصعيد العالمي.

ولأنني تشرفت بدعوة كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل رئيس اللجنة الإشرافية العليا لسوق عكاظ للمشاركة في فعاليات ونشاطات هذا الملتقى الثقافي الكبير، أجدها فرصة رائعة للتعبير عن شكري وامتناني نيابة عن كل المثقفين والأدباء والشعراء والإعلاميين الذين شاركوا في سوق عكاظ، ولأنه وفي مبادرة تُحسب لسموه الكريم تمنى أن يخلو سوق عكاظ من الثناء عليه وعلى كل مسؤول، معتبراً "أن تقديم أي خدمة للوطن أو المواطن أو المقيم أو الزائر هي محل اعتزاز وفخر لنا جميعاً، وإذا كان من شكر أو ثناء فهو للضيوف المشاركين، لأنهم ــ ومازال الكلام لخالد الفيصل ــ هم سوق عكاظ، وهم بدايته ونهايته، وكل ما زاد اهتمامهم به ازداد رفعة، وكل ما زادت مشاركتهم ومساهمتهم الثقافية في فعالياته زاد ثراءً، فشكراً لهم من الأعماق". بهذه الكلمات الرائعة يؤسس هذا المسؤول الكبير لثقافة جديدة وأسلوب واضح.

إذاً، لا سبيل لشكر هذا الإنسان الرائع إلا بما يُحب، وهو المزيد من المشاركة والاهتمام بهذا الملتقى الثقافي، وإبداء الملاحظات والاقتراحات للإسهام في تطويره والارتقاء بفعالياته ونشاطاته.

كثيرة هي المشاهدات الإيجابية التي توقفت عندها كثيراً أثناء تواجدي في هذا السوق الثقافي الرائع، منها على سبيل المثال لا الحصر، علو كعب المثقف السعودي، حيث تابعت بكل فخر واعتزاز المستوى الثقافي الكبير الذي يتمتع به المثقف السعودي، ولعل النقاشات الجادة والسجالات الواعية التي يُثيرها المثقفون السعوديون في قاعات المحاضرات للأوراق الثقافية والعلمية المصاحبة لسوق عكاظ، أو في أروقة وردهات الفنادق والمطاعم هي الأبرز.

لقد أسر لي أحد المثقفين العرب المخضرمين بدهشته الكبرى بالمستوى الثقافي اللافت الذي يتمتع به المثقف السعودي. عبدالرحمن الأنصاري وحسن الهويمل ومحمد العباس وفتحية عقاب وأحمد البوق وأسماء كثيرة وكبيرة تألقت في سوق عكاظ.

أما المرأة السعودية، فقد كان لها الحضور الأبرز في فعاليات سوق عكاظ، سواء الشاعرة أو الأديبة أو المثقفة، ولكن الحضور الإعلامي للمرأة السعودية كان هو الأبرز، حيث استطاعت الإعلامية السعودية وبكل حرفية ومهنية إبراز هذا الحدث الثقافي الكبير بشكل أنيق ورائع كأناقتها وروعتها. مها السراج وحوراء البوعينين وأمل محمود وأسماء أخرى كثيرة تستحق الإعجاب والفخر.

رغم كل الجهود المخلصة التي بذلت لتنظيم هذا الحدث الثقافي المهم، إلا أن مشكلة حجز الغرف وتباعد الفنادق أزعجت الكثير من الضيوف والمشاركين، وتسببت في إرباك بعض الفعاليات. أيضاً، العرض المسرحي الكبير الذي حمل اسم الشاعر العربي الشهير زهير بن أبي سلمي، أثار الكثير من اللغط والجدل، خاصة حينما أقحمت بعض الإسقاطات والحقائق التاريخية المثيرة والمختلف حولها، ولكنها ــ أي المسرحية ــ كعرض مسرحي تُعتبر نقلة نوعية مهمة في مسيرة المسرح السعودي. كما أثار غياب الشعراء العرب الكبار عن سوق عكاظ استغراب المتابعين لهذا المنبر الشعري الكبير. كذلك اختلف المثقفون والمنظمون في الوصول إلى قناعة مشتركة في توقيت هذا الحدث الثقافي الكبير، حيث فضل البعض اختيار أوقات الإجازات ــ وهي لدينا كثيرة وطويلة ــ لإقامة هذا الملتقى. كما لوحظ أيضاً غياب المثقف الأجنبي، مما أفقد الملتقى البعد العالمي الذي ينشده الجميع، وهنا أقترح بأن يتم اختيار تجربة شعرية عالمية كضيف شرف في كل دورة لهذا الملتقى الشعري العالمي. كذلك اتسمت بعض الأوراق الثقافية المقدمة ضمن برنامج سوق عكاظ بشيء من الإيغال في التعريفات والمصطلحات والمفاهيم مما أفقدها الكثير من التفاعل والتداخل، ومن الحضور أيضاً. الحضور الخجول للمثقفين الشباب زاد من هوة التواصل الثقافي بين الأجيال، فوجود الجيل الجديد بكل طموحاته وتطلعاته متسلحاً بوسائط ووسائل الإعلام الجديد بتقنياته المذهلة كان سيُضيف الكثير من الحراك والتفاعل الثقافي.

سوق عكاظ يسير بخطى ثابتة وواضحة نحو التميز والتطور ليضع اسمه الرائع في سجل الملتقيات والمنتديات الثقافية العالمية. خالد الفيصل، لن أقول لك شكراً، فأنت لا تحب ذلك. إذاً، فلتسمح لي ولكل محبيك بأن نقول: كم نحن فخورون بك.