تبدو ملامح المنافسة على مقاعد المجالس البلدية في هذه المرة أقرب لنزالات فرق رياضية على دورة ودية تنشيطية. واللافت فيها هو غياب الأسماء التي عادة ما تحاول أن تكون مصدر ضوضاء الصوت وضوء الأنوار مثلما هو لافت أيضاً غياب التكتلات وقوائم الذهب والنحاس، مثلما غاب هذه المرة صوت الذين كانوا يعتقدون من قبل أن طاولة المجلس البلدي لا تختلف عن طاولة مجالس الوعظ وأن الأمر برمته سداد ـ ثغرة خطيرة لمستقبل هذه الأمة. غياب أصحاب الأصوات ـ المجلجلةـ في هذه المرة مثل غياب أهل المنظومة القائمة على تحشيد أيديولوجي. السبب لأنهم اكتشفوا أنهم في الدورة السابقة قد غامروا بأسمائهم وأفكارهم في رهان غير محسوب العواقب. كشفوا أنفسهم وأفكارهم بكل جلاء أمام المواطن البسيط الذي اكتشف بدوره أنهم لم يفعلوا شيئاً غير دورة كاملة مع نصفها من التبرير ورمي التهم يمنة ويسرة. وإذا كانت ثغرات النظام التي تسعى الوزارة جاهدة لتعديلها شيئاً من السبب، فإن بعض السبب الآخر يعود للسادة أصحاب المقاعد. وبكل بساطة فإن لاعب الارتكاز المثالي في كرة السلة لا يصلح أبداً أن يكون قلب الهجوم في كرة القدم. وبالمثال فإن الوجه الشهير المألوف في منابر أي مدينة ومنتدياتها قد لا يصلح لطاولة المجلس البلدي.
وحين أذهب صباح الخميس للإدلاء بصوتي فسأذهب استشعاراً لواجبي الوطني وبالأمل أن يكون الجديد قد استوعب الدرس حتى يصنع صوتي الفرق. وحتى اللحظة لم أعثر حتى على اسم في دائرتي لأمنحه الصوت ومع هذا أبدو نصف متفائل لأنني قد أمنح صوتي لقادم من الظل حين أكرمنا هواة الإثارة على الأقل بالاختفاء من دائرة المنافسة. وعلى الأقل فإن أفضل ما خرجنا به من ثقافة الانتخاب في الدورة المنصرمة أننا بمثل ما كشفنا فيها هلامية أصحاب القوائم وخواء فهمهم لمفهوم المجلس البلدي، بمثل ما أيضاً، عرفنا أننا لم نحسن خيارات أصواتنا ولمن يجب أن تذهب. هؤلاء أخذونا معهم إلى ذات جهلهم، على طريقة عمرو بن كلثوم، فجهلنا نحن: ماذا يعني المجلس البلدي؟ غداً نكمل.