بالتأكيد أن يوم الأحد السابع والعشرين من شوال للعام 1432 للهجرة يومٌ لن تنساه المرأة السعودية، وكل المهتمين والمنادين بحقوقها من سنوات طويلة، حيث منحها خادم الحرمين الشريفين حق العضوية الكاملة في مجلس الشورى والترشح والانتخاب في المجالس البلدية، وكان المتوقع أن يثير القرار الذي بدا للوهلة الأولى أنه هزيمة للشرعيين الذين كان يظن بهم أنهم ضد هذا التوجه، وإذا بأعلى رأس الهرم الديني في السعودية سماحة الوالد مفتي عام المملكة يؤيد القرار ويصف كلمة الملك بأنها "قيّمة وكلها خير"، فيما قال معالي وزير الشؤون الإسلامية والدعوة صالح آل الشيخ إن "مشاركة المرأة عضوة في مجلس الشورى له أصوله الشرعية وله أدلته"، وقال "إن تقديم المشورة من لدن المرأة -وهي بعضوية كاملة في مجلس الشورى- لخادم الحرمين الشريفين سيسهم في التنمية الشاملة للوطن"، فضلاً عن تصريح الأمين العام لهيئة كبار العلماء بأن المليك استشار معظم العلماء في الهيئة، وأكد معالي وزير العدل محمد العيسى أن "معظم علماء الهيئة مجيزون للقرار". من أسوأ ما يمكن حدوثه ونحن نعيش تداعيات هذا القرار؛ تصوير ما حدث بأنه انتصار لتيار على تيار، ولفئة دون فئة، وهذا وهم بالتأكيد، وأنا أسجل هنا أن ثلة كبيرة من الشرعيين كانوا ينادون بذلك من سنوات -وإن بصوت خافت- وآخرهم الشيخ الفقيه خالد المصلح، وقد أصدر بحثاً خاصاً قبل أشهر قليلة أجاز للمرأة الانتخاب والترشّح، وهناك الدكتورة نوال العيد، قدمت بحثاً وحاز على جائزة الأمير نايف للسنة النبوية، وأوردت أقوال حوالي اثنين وأربعين عالماً شرعياً يفتون بجواز الانتخاب والترشّح للمرأة. هناك دراسة جامعية قدمها الشيخ فهد العجلان نال بها درجة الماجستير من جامعة الملك سعود في عام 1428هـ كان عنوانها: (الانتخابات وأحكامها)، وانتهى بجواز ترشّحها وعضويتها في مجلس الشورى، لأن المجلس ليس من الولايات العامة كالبرلمانات أو المجالس إلزامية القرار مثل مجلس الأمة الكويتي.

القرار كان لصالح الوطن جميعاً، ومن المعيب حقاً أن يتبارى البعض للشماتة، ليزيد الوضع ضغثاً على إبالة، دونما أي حسّ بالمسؤولية الوطنية التي تقول بضرورة التكاتف والتوجّه نحو نيل مزيد من الحقوق والمكاسب لصالح هذا المجتمع. لا أعلم عالماً واحداً استنكر تعيين المرأة في مجلس الشورى لذات التعيين، لأن المجلس شوري فقط، ولولي الأمر أن يستشير من يريد، والمجلس لا يدخل في الولايات العامة، ويحضرني بمناسبة الولاية العامة قصة حدثت قبل خمس سنوات، أسوقها للأحبة طلبة العلم، وقد جمعني مجلس كريم مع الشيخ الدكتور خالد المذكور، أحد أبرز العلماء في الكويت الشقيقة، وتجلل ذلك المجلس بحضور علماء ودعاة غرر أمثال د. حمزة الفعر، ود. علي بادحدح وثلة طيبة من الشرعيين، وابتدرت الشيخ خالد المذكور بسؤاله عن موقف التيار الإسلامي بكل أطيافه من مشاركة المرأة الكويتية في الانتخابات في مجلس الأمة الكويتي – وشتان بين مجلس الشورى الذي هو شوري صرف وبين مجلس الأمة الذي قراراته إلزامية- فأجابني برتمه الوقور وكلماته المتدفقات علماً: "أخي عبدالعزيز، انقسمنا في الكويت إلى ثلاثة أقسام حيال هذه القضية، فأما القسم الأول؛ فكان لا يرى مشاركة المرأة بالكلية، لا تصويتاً ولا ترشحاً. وكان القسم الثاني يرى جواز التصويت لها ولا يرى الترشّح، والقسم الأخير انحاز لجواز التصويت والترشّح".

أردفته بسؤال آخر وقد غلب عليّ فضول الصحافي: "ما نِسب العلماء والدعاة في كل قسم؟"، فأجاب بأن "الأكثرية كانوا في القسم الثاني". ولما سألته عن موقعه وموقع الشيخ -الأكثر شهرةً وشعبيةً- د.عجيل النشمي؟ أجابني بأن الشيخ عجيل كان يرى جواز التصويت والترشّح، بينما هو شخصياً كان مع الرأي الذي يقول بالتصويت وعدم الترشّح، وبرّر موقفه الفقهي بأن "مجلس الأمة الكويتي هو من قام بخلع الشيخ سعد العبدالله وعيّن الشيخ صباح الأحمد، فبالتالي هو في مقام الولاية العامة، وهو مع الرأي الفقهي بأن المرأة لا تعيّن للولاية العامة"، وأنهى إجابته بأن "تصويت وترشح المرأة قد أقرّه مجلس الأمة ووافق عليه رئيس البلاد، فحسمت القضية بهذا الرأي لديهم في الكويت".

وعاد فضولي الصحافي يتقمصني لأسأله: "ولكن، ما الذي فعلتموه أنتم العلماء في القسم الثاني الذين لا ترون الترشّح بعد أن أقرّ هذا القانون؟ أليس من العقل والحكمة -يا شيخ خالد- عدم ترك المجال لنساء لا يحملن هوية الأمة، وينحزن للغربي وفكره لكي يصلن إلى مواقع اتخاذ القرار والمسؤولية، بينما أخواتنا من التيار المحافظ يقبعن في البيوت ويحجبن من المشاركة بسبب فتواكم؟". أجابني حفظه الله: "ما قلته صحيح، وهذا ما فعلناه نحن العلماء الذين كنا ضد الترشح، فانتهى رأينا إلى أن القانون طالما قد أقرّ فمن المصلحة أن نكون مع الفريق الثالث".

يسكنني يقين بأن من سيفيد من هذا القرار هو الوطن بكامله، والمرأة المحافظة في بلدي، وقد استمعتم إلى خطاب والدنا الملك عبدالله وهو يردف الجملة تلو أختها مكرّرا بحسب الضوابط الشرعية، وهي فرصة لأطالب بتحرير هذه الضوابط من لدن ثلة يثق فيها ولاة الأمر، كي لا تضيق بحيث تبقى حروفاً فقط بلا روح، وتتسع بحيث تخرج عن المسار الذي أراده مليكنا المحبوب.

القرار التأريخي للملك يعطي أمثالي أملاً بأن يعقبه بإذن الله تفعيل لمجلس الشورى -الشاحب الأثر والتأثير- أن يخطو خطوات كبيرة، بعد دخول النساء فيه، بأن ينتخب نصف الأعضاء، وفي خطوة تالية بأن يؤخذ بإلزامية القرارات التي يصدرها..

أيتها النخب في بلادي: لنتكاتف ونتعاون لمزيد من نيل الحقوق بهذا التدرج الملكي الحكيم، ولنعتبر هذا القرار هو في صالحنا جميعا.