• تسلب الأشياء المتماسة بعضها بعضا، هذا ناموس الكون. كراسي المارّة تسلب شيئا من أثر الجذوع والتلال والحيطان. الطائرات تسلب شيئا من رحيل المشي والحكايات. في الطائرة وأنت تمضي من مكانٍ إلى مكان، لا ترى فيها غير الجالسين يمينا ويسارا، وقليلاً من السحب عبر النوافذ، والطاقم المتململ الذي سافر حتى فقد السفر عنده معناه. كلّما تماسّ شيئان أخذ أحدهما من الآخر شيئا، هذه هي الطبيعة، لكن الذي يسلبك كل شيء.. ليس سوى معتدٍ وسارق!.
• ثم إنك حين تنتمي للحياة وتعمل لها، فهذا لا يعني أنك تنكر حقيقة الموت، لكنك تحاربه. انتماؤك للحياة هو اختبار جدواك وقيمة وجودك، الحياة اختبارك الأطول، ليس الموت الخارج عن الزمن، فالموتى لا يعودون إلا في منامات الأحياء، لا يسعهم أن يفعلوا شيئا من جديد، ولا شيء أمامهم سوى أن يوغلوا في التراب حتى يصيروا ترابا. ومشكلة بعض المقولات التي تلبس طابع القداسة أنها تقتات على هذه العتمة، على الهلع الإنساني من الموت ومجاهيله وما يرمز إليه، تقنع أتباعها بأن الموت هو امتحانهم الوحيد، ومفرداته ـ قولا وعملا ـ هي دون غيرها، وسيلتهم كي يحصلوا على ما يطمحون له من الامتياز والقوة، من الوضاءة والنجاة!.
• قبل أسبوع تقريبا توفيت وانفاري ماثاي، الكينية التي يسمونها "أم الأشجار"، وهي أول كينية/أفريقية تنال جائزة نوبل للسلام في العام 2004 وهذه العظيمة أسهمت خلال حياتها في زرع 40 مليون شجرة في كوكبنا المحاصر بالأكاسيد. هذه امرأة نادرة، وكانت هذه طريقتها كي لا تكون وحيدة أبدا!.
http://www.youtube.com/watch?v=psynAbgdA5o
• أجزم أن هذه السيدة فكرت دوما أن تعيد للحياة شيئا عميقا سلبته المادة منها، أرادت أن تعيد اعتبار الحياة من لصوصية المصانع وجشع البشر.. وأخيرا تركت خلفها أربعين مليون شجرة، كل واحدة منها لها حيّزٌ وظلّ ورئتان، تمتصان سمومنا، وتنفخان فينا نفحة البقاء، وهكذا صارت الشجرة في كينيا رمزا لحق العيش، على يد هذه المرأة.
• وحين يقرر الملك عبدالله، مدّ الله في عمره، لصالح المرأة في بلادنا، لتكون نائبة وزارة، ومديرة جامعة، وناخبةً وعضوةً بالشورى، فإنه يفعل الشيء نفسه، ويسهم في أن يعود للأحياء والحياة اعتبارها من سطوة التقاليد والغلوّ، ويقينا سيكون لقراره الأثر نفسه وعلى المدى الحيّ؛ ملايين النساء، كل واحدةٍ منهن لها انتماءٌ فاعل، وشراكةٌ وظلٌّ، ورئتان تمتصان سمومنا، وتنفخان فينا نفحة البقاء، فكل امرأة في داخلها شجرة.. "ومن أحيا نفسا.. فكأنما أحيا الناس جميعا".