يقول أحد الحكماء إنه "من الغباء أن تتلقى نصيحة مناسبة في الوقت المناسب ولا تأخذ بها"، ولهذا فإنني سأعرض في هذا المقال وقائع وخبرات وخطوات في منتهى السهولة، كانت أسباب النجاح في حياة الكثيرين. هذا أولاً، وثانياً يظن أكثر الشباب ـ بل قد نقول جميعهم ـ أن النجاحات تُعطى، وفي الواقع لو نظرنا إلى تاريخ العظماء والناجحين بشكل عام لوجدنا أن معظمهم إن لم يكن كلهم وكل النجاحات التي حققوها كانت تُؤخذ من قبلهم، ولم يعطهم إياها أحد. النجاحات اكتساب وليست أُعطيات، والناجحون يتمتعون بقوة الجد والإصرار والتمكن. الجد في مواصلة البحث عن النجاح، والإصرار عدم الشعور بالإحباط مهما بلغ عدد المحاولات، والتمكن أن يكون للشخص من القدرات والثقة ما يشحنه بشكل مستمر بالطاقة التي توصلة لمحطته الأخيرة التي يريد الوصول إليها. والبعض يظن خطأً أن المؤهل الذي يحصل عليه هو "الفيزا" التي تدخله لعالم النجاح. والواقع أن المؤهل هو واحد فقط من متطلبات الوصول إلى المحطة المبتغاة.

إن النجاح تماماً مثل السفر، يحتاج إلى مركبة معبأة بالوقود يتم فحصها، وطريق سالك، وخريطة لمعرفة الاتجاهات.. فإذا توافرت هذه الأسباب يبقى الأهم، وهو القائد الماهر. وهنا تتبين مهارته أثناء السفر، فالأمر يتطلب منه مناورات لخفض السرعة أو زيادتها، والتهدئة عند المنعطفات، وأساليب التجاوز، ومراقبة مستمرة للمركبات التي تستخدم الطريق.. عندها سيتم الوصول إلى المحطة المراد الوصول إليها. هذه المقدمة مهمة للخطوات التي سأتحدث عنها للوصول إلى النجاح المأمول. لنتحدث عن تجربة واقعية في بلد ليس من البلدان التي تحتل الصف الأول في التقدم، حتى لا يُقال إن المقارنة ليست عادلة. هذا البلد هو الفلبين. ولنأخذ مثال التمريض مثلاً، فمتخرج أو متخرجة التمريض في الفلبين، كلاهما يتقدم للوظيفة في البداية للعمل مجاناً من أجل كسب الخبرة، والفرق هنا أن المتقدم لديه هدف واضح يريد الوصول إليه، وهذا ما يفتقده شبابنا الذين ليس لمعظمهم أهداف واضحة يسعون للوصول إليها. وإذا ما تم قبول الممرض أو الممرضة للعمل؛ سعيا بجد واجتهاد لكسب أعلى مستوى من الخبرة والسلوك الانضباطي، فإذا ما اكتسبا الخبرة، وحققا سمعة كبيرة في العمل، وحصلا على تقارير أداء عالية؛ تقدما للعمل في أماكن عديدة خارجية وداخلية، وكانت أمامهما خيارات كثيرة، إلى درجة أن المؤسسات التي احتضنتهم للتجربة تفاوضهما للبقاء بمميزات مجزية إلا أن الخيارات أمامهما كثيرة وعديدة. هذه تجارب واقعية آمل أن يستفيد منها شبابنا، وألا يستعجلوا النجاح بدون خبرات وممارسة فعلية للعمل، وسلوكيات عملية إيجابية، وليعلموا أن استعجال النجاح طريق مسدود، هذه هي القصة الأولى، والقصة الثانية أيضاً من الواقع. ولولا أنها تكشف معلومات شخصية لرويتها بالأشخاص والأماكن. فهي قصة نجاح تستحق فعلاً أن تُروى وأن يستفاد منها، وهي لشاب تخرج في تخصص أدبي، واختار العمل في إحدى المؤسسات، قائلاً لمسؤول التوظيف الذي قابله إنه لا يشترط راتباً محدداً، ولا يهمه المبلغ الذي يُقدم له، لكنه يشترط أن ينتقل كل ثلاثة أشهر في قسم من أقسام الشركة بهدف كسب الخبرة، وأن هذا التوجه أيضاً يخدم المؤسسة، لأن الموظف سيتعرف على جوانب عمل المؤسسة، مما يمكّن الموظف من تقديم أداء أفضل لها، وتم له ذلك، وبعد العمل في تلك المؤسسة لمدة ثلاث سنوات تعرف من خلالها على كل جوانب المهنة قدم استقالته من تلك المؤسسة، ليبدأ عملاً خاصاً به في مقر متواضع. ولأنه يمتلك المؤهل والخبرة الواسعة أصبح يسير بخطوات ثابتة في التوسع، إلى أن أصبح مكتبه الآن في العاصمة يحتل مبنى يملكه بالكامل ذا أربعة طوابق، وأصبحت له اتصالات وتعاملات داخلية وخارجية بعشرات الملايين.. كيف تحقق ذلك؟

كان لديه هدف، هذا أولاً، ثم إن لديه التأهيل ثانياً، وثالثاً حصل على الخبرة الواسعة، ورابعاً وضع نفسه في المكان الصحيح. إنها قصة نجاح خطواتها لا تشكل معجزة. ليس المطلوب من الجميع أن يصلوا إلى هذا المستوى من النجاح، لكن يمكن بهذه الخطوات تحقيق نجاحات مقبولة وتحقق الرضا لأصحابها.

مشكلتنا أننا ننتظر أن يُعطى لنا النجاح، وسِيَرْ جميع الناجحين تثبت أنهم حققوا النجاح بأنفسهم ولم يحققه لهم أحد. نحن كمسلمين نقول إن هناك توفيق الله أولاً وأخيراً وهذا صحيح، لكن ديننا يأمرنا بأن "نعقل ونتوكل" كما هو معنى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم في قصة الأعرابي ودابته المعروفة.

وخلاصة القول؛ نقول لشبابنا كم منكم يقترب من عمله وله أهداف طموحة؟ وكم منكم يتدفق أثناء عمله نشاطاً وإبداعاً ويقدم الجديد تلو الجديد بصورة مستمرة، حتى يشعر أنه يصنع الفرق في مؤسسته التي يعمل فيها؟ وكم منكم يمتلك الأدوات والمهارات ويتأقلم مع العاملين، ويعمل معهم محافظاً على روح العمل الجماعي؟ كم منكم له مبادرات في تطوير عمله، لديه رؤية يعرف إلى أين يتجه؟ كم منكم ينظر إلى الإحباطات والمشكلات كفرص يتعلم منها ليرتقي إلى الأمام، لا كمعوقات تصدمة وتحبطه؟ كم منكم يعمل بصمت لا يملأ الدنيا ضجيجاً بالكلام؟ كم منكم يخطئ ويقترب من رئيسه في العمل ليقول له لقد أخطأت، وسيكون خطئي فرصة أتعلم منها بدلاً من صرف وقته وتفكيره في التفكير في المبررات وسردها؟ وكم منكم يعرف أن النوع الأول أكثر قبولاً وثقة من الثاني؟ كم منكم يعرف أن العصر اليوم هو عصر التميز، وأنه لا مكان فيه للمجاملات والمحسوبيات؟

أعرف أننا بشر ولسنا رُسلا أو ملائكة، إننا نخطئ ونصيب، ولهذا قلت إننا يجب أن نعترف بالخطأ، وننظر إلى الخطأ على أنه فرصة للتعلم. أقول هذا الكلام لأنني عندما عرضت فكرة المقال على صديق رد عليّ قائلاً: أنت تتحدث عن رُسل! وذكرته بأنني تحدثت عن الأخطاء، وأنها مهمة في العمل إذا نُظر إليها بالمنظار الصحيح.

النجاح أيها الشباب ينطلق منكم ويعود إليكم، لا تبحثوا عنه عند الآخرين ليمنحوه لكم، إنه ليس منحة إنه اكتساب. لن يوصلكم أحد للنجاح إذا لم توصلوا أنفسكم إليه. اقبل الوظيفة الصغيرة مسلحاً بالهدف والتأهيل والعزيمة، وضع نفسك في المكان الصحيح مع أخذ المبادرات الشجاعة، واستعن بالله وستصل إلى المحطة التي تنشدها. فقط لا تسمع للمثبطين والكسالى والمتخاذلين. لوطنك عليك حق، ولمجتمعك عليك حق، ولعائلتك عليك حق، فجميعهم بانتظار نجاحاتك فهي في متناول يدك.