لم أستغرب قيام بعض الأفراد في منطقة العوامية في محافظة القطيف السعودية بإطلاق النار على رجال الأمن السعودي في عمل لم يسبقهم عليه إلا منظمة القاعدة. المتابع لما يحاك ضد المملكة بواسطة نظام إيران ووسطائه في المنطقة يستطيع وبكل سهولة أن يربط مسلسلات العنف التي تهدف إلى زعزعة الأمن وإشغال الوطن الحبيب بمثل هذه العمليات منذ أكثر من ثلاثة عقود.

الحقيقة أن الشغب بدأ مع ما يسمى بثورة الخميني في بداية الثمانينات الماضية. تلك الثورة التي ضاعت في دهاليز الضلال والقمع ولم تعرف طريقها إلى النور بعد. عندما نجحوا في إجبار الشاه على الهروب، صدّق متزعموها بأنها فعلا ثورة إسلامية. وكالعادة طبل لها الكثيرون من كل مكان في عوالم اليأس والأوهام، لكن كيف يمكن لمنظومتها أن تكتمل والمملكة العربية السعودية غير مشاركة بها بل ولم تقرها. إذاً فلا بد من توجيه الانتباه إلى المملكة والأماكن المقدسة والسيطرة عليها. والمملكة إضافة إلى تواجد الحرمين الشريفين فهي تعد من أكبر مالكي احتياطي النفط في العالم، ولهذا فهي صيد ثمين والمسألة تصبح "عصفورين بحجر" كما ظنوا.

بدؤوا بالحج وأثاروا الشغب ومات المئات في وقتها، تلى ذلك وفي موسم آخر محاولة فاشلة لتهريب المتفجرات داخل حقائب قماشية خضراء اكتشفها رجال الجمارك السعوديون الأفذاذ، وتم القبض على المسافرين الإيرانيين الضعفاء الذين غلب على الكثير منهم الدهشة، فلم يكن معظمهم على علم بمحتويات هذه الحقائب، كانت الحقائب معدة سلفا ضمن حملة حج من تنظيم الحرس الثوري، وزج بالمساكين في مغامرات غير محسوبة، في موسم لاحق تم تفجير نفق المعيصم بواسطة عملاء كويتيين تابعين للجمهورية الإسلامية إياها، وتم القبض عليهم وتنفيذ حكم الله فيهم. الجميل أن المملكة وبحفظ من الله عز وجل ثم بفضل رجالها البواسل من موظفي جمارك وقوات أمن أجهضوا كل هذه الأهداف، ولم يتحقق أي من أهدفها رغم الدماء الزكية التي أزهقوها غدرا وظلما.

انشغلت إيران بعد ذلك بحلف جديد عبر حزب الله وتعاون نظام الأسد، في تصور منها بفرض الطوق على منطقة الخليج من الخارج. فتحالفت تحالفا وثيقا مع سورية، وأسست لحزب الله حكومة داخل حكومة لبنان يرأسها السيد حسن نصر الله. الأخير بارع كثيرا في بناء العلاقات العامة من خلال اللعب على وتر القضية الفلسطينية وتحرير الأرض، كما يحسب له من باب الإنصاف تصميمه على طرد الإسرائيليين من جنوب لبنان، من خلال عمليات جسورة ودقيقة انتهت بالفعل في تحرير الجنوب اللبناني. هذه العملية أسست له شعبية عارمة على مستوى الوطن العربي والمسلمين بشكل عام، هذا في علم السياسة رصيد هائل لا يمكن إغفاله. اتجهوا بعد ذلك إلى غزة وتحالفوا مع حماس، ونتج عن ذلك التحالف إفشال اتفاقية مكة بين الفلسطينيين.

نظام إيران هو نظام قمعي بامتياز، إذ عندما حاول طلاب الجامعات الإيرانية الطعن في الانتخابات قبل سنتين واجهتهم قوات الباسيج بالرصاص الحي، وقتلت منهم الكثير. ولا يزال الوضع داخل إيران يحتقن والعسكر له بالمرصاد.

دارت الأيام التي لا ترحم.. وظهر الربيع العربي، وبدأ هذا الربيع يلامس سورية، ثم توغل بها، وتحول رئيس الدولة العربية "الصامدة" إلى أكبر سفاح شهدته المنطقة في التاريخ الحديث. أكثر المتضررين من ذلك بالطبع هو حزب الله الإيراني الذي قام على أكتاف الشعارات الشعبية والحريات وما إلى ذلك. كيف يحدد موقفه من أحداث سورية التي يطالب شعبها بالحرية؟ وهل لديه أصلا أي خيارات؟ الحزب ومن فوقه نظام إيران وقفوا وقفة المنتحر من على صخرة الروشة في تأييدهم لنظام بشار، يؤيدونه وهم مدركون لفقدان شعبيتهم، ولكن كما يقول المثل الشعبي: "ما دون الحلق إلا اليدين". وابتدأ بنظري عند هذا المفترق العد التنازلي السريع لسقوط الخطة وبطلانها وفشلها على أرض الواقع.

هاهم اليوم يعبثون في البحرين اعتقادا منهم أنها الأسهل، وعندما طلبت مملكة البحرين دعم قوات درع الجزيرة لحماية مكتسباتها وأمنها من عبث العابثين، اتجهوا إلى مملكتنا.

ما حدث في العوامية قبل أسبوع هو في الواقع عمل انتحاري صرف، وإلا كيف بمجموعة حقيرة أن تحارب دولة أو تسبب لها أي زعزعة في الأمن؟

الذي علينا أن نتذكره دائما أن البلاد المستقرة لا تتدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى إلا في حالات الدفاع عن النفس. المملكة وبشهادة التاريخ لم تتدخل بشؤون أحد منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه ومرورا بكل ملوكها من بعده. لا تتدخل لأنها تنشد الخير لمواطنيها ومواطني الدول الأخرى، وهذا نهج العقلاء الواثقين في خطاهم. على النقيض من ذلك لا تعيش الأنظمة المهترئة إلا بوجود العدو المتربص، وحتى لو لم يوجد هذا العدو فالنظام يختلقه ويهول من شأنه. هذه هي إيران، فمنذ السنة الخامسة من قيام ثورتها وعندما لم يتحقق للإنسان الإيراني أي تقدم أو تطور في مستوى معيشته؛ وهي تخلق الأعداء. والمملكة للأسباب التي أشرت إليها أعلاه دائما جاهزة، وعلى الرف كعدو محتمل ولا يعجزهم تلفيق الأسباب أبدا وفي أي وقت.

حري بنا كمواطنين سعوديين أن نستمر في صمودنا أمام هذا الإفلاس الحضاري القادم من الجارة المسلمة، والتي لا هم لها إلا خلق الأزمات.

الحمدلله أن المواطن السعودي أيا كان مذهبه أو طائفته لا يمكن أن يغامر بفقدان مكتسب، ولا بتحالف مشبوه مع أي جهة أجنبية، حتى ولو ضل البعض طريقهم.