اليابان وفنلندا والسويد وسنغافورة نماذج لدول قفزت، وخلال سنوات قليلة، إلى مصاف الدول الأولى المتقدمة في التعليم العام، وذلك من خلال التركيز أولاً على المراحل الأولى من التعليم (رياض الأطفال والتعليم الابتدائي). ففي السويد، ومن خلال تنفيذ مشروع سقراط التعليم الأوروبي، يتحصل ويتمكن الطفل أو الطفلة من المهارات الأساسية، القراءة والكتابة والتحدث والرياضيات والعلوم، في المراحل الأولى من تعليمه، مع تمكنهم من اكتساب (3) لغات بعمر مبكر، فمشروع سقراط، والموجه للتعليم العام، استغرق تنفيذه (6) سنوات (2001-2007) وحقق الأهداف الاستراتيجية المخطط لها في المشروع، وأهمها تحسين مخرجات التعليم العام، من خلال تحسين مهارات الطلاب والطالبات في مراحل التعليم الأولى، وهي الأساس والأهم.
تتمثل العملية التعليمية، بشكل عام من (3) محاور: الطالب ـ المعلم ـ المنهج، ومن خلال العلاقة والاتصال والشراكة والتحاور والثقة بين الطالب والمعلم – طرق التدريس – من ناحية، وبين المنهج والطالب والمعلم من ناحية أخرى، تتحدد مخرجات العملية التعليمية، فكلما كانت هذه العلاقات والاندماج أفضل وأكثر جودة وتتبع أفضل الممارسات العالمية في التعليم؛ كانت مخرجات التعليم العام أفضل وأميز، وهذا ما ركزت عليه الدول المتقدمة في التعليم. كما أنه ينبغي التنويه إلى أن التركيز على تطوير المناهج وبذل الغالي والنفيس عليها وقضاء السنوات الطويلة في تطويرها بشكل منفصل ومنعزل عن المحاور الأخرى – الطالب والمعلم – لا يمكن أن يطور التعليم أبداً، فعملية تطوير التعليم للمحاور الثلاثة وتداخلاتها وعلاقاتها عملية تتطلب التطوير بشكل متواز زمنياً وكمياً. وقد عملت اليابان على تخصيص أفضل المعلمين والمعلمات للمراحل الأولى من التعليم، ومنحهم مزايا مالية ومعنوية عالية مقارنة بالوظائف الأخرى، أو حتى زملائهم في المراحل العليا من التعليم العام، وهو ما تم أيضاً التركيز عليه في مشروع سقراط في السويد. كما أن هناك دولا أخرى، مثل أميركا، استقطبت كفاءات من دول متقدمة في التعليم مثل الصين.
كما أن مشاركة الطالب في التطوير أيضاً أخذت في الاعتبار في جميع مشاريع تطوير التعليم العام الناجحة مشاركة الآباء والأمهات. فعلى سبيل المثال، يشارك أهالي الطلاب في مجلس إدارات المدارس، ولهم الحق في التقييم والمتابعة سواءً للمناهج أو للمعلمين والمعلمات، ولكن وفق آليات وضوابط متفق عليها بين أطراف مشروع تطوير وتحسين التعليم.
ويمكن في المملكة العمل على عدد من المقترحات والتحسينات السريعة وكذلك طويلة الأجل، ومنها:
1. تخصيص مشروع منفصل عن مشروع تطوير التعليم العام، بحيث يتم التركيز على رياض الأطفال والتعليم الابتدائي أولاً وثانياً وثالثاً. وحيث إنه جار العمل على نشر واستحداث مدارس جديدة لرياض الأطفال وهي خطوة جيدة من حيث المبدأ والكم؛ إلا أنه قد يكون من المناسب إعادة النظر في تحديد أهداف ومنهجية التدريس، ونوعية المعلمين والمعلمات المخصصين لرياض الأطفال، بمعزل عما يتم العمل به حالياً في عملية توجيه المعلمات والمعلمين لرياض الأطفال، وأيضاً مراحل التعليم العام الأولى (الابتدائية).
2. إعادة النظر في نوعية ومستوى وخلفية المعلمين والمعلمات المخصصين للمراحل الأولى في التعليم العام، بحيث يتم تخصيص معلمين ومعلمات يملكون تخصصات في العلوم والرياضيات، وبتميز وقدرات جيدة ومقبولة في مهارات القراءة والكتابة والتحدث. حيث إننا يجب أن نقلب المعادلة من التركيز على تخصيص المتخصصين والأفضل علمياً للمراحل العليا من التعليم العام إلى التركيز على تخصيص الأفضل والأميز وكذلك المتخصصين في العلوم والرياضيات واللغات للمراحل الأولى من التعليم العام، وهي المراحل التي يمكن فيها تأسيس وتقوية مهارات الطفل بالمقارنة بأعمار متقدمة. فكما في الدول المتقدمة؛ ينبغي أن يتمكن الطفل من القراءة والكتابة والتحدث وبلغتين – كحد أدنى – والتحليل الرياضي والمعرفة في العلوم، كلها بشكل متميز وعال، عند إنهائه للمرحلة الإبتدائية، وهو ما تحقق للدول المتقدمة في التعليم العام.
3. إضافة التربية البدنية، وبشكل يومي، للمراحل الأولى من التعليم العام ورياض الأطفال، وللطالبات والطلاب على حد سواء – مع مراعاة الضوابط والمتطلبات الشرعية ـ على أن يعاد النظر في تحديد أهداف ومنهجية ومحتوى التربية البدنية، حيث إن الوضع الحالي ما زال بعيداً عن القبول من جميع النواحي العلمية والعملية ذات العلاقة بالتربية البدنية والصحية. ولنا أن ننظر في معدلات السمنة والسكري ونقص بعض الفيتامينات الأساسية – مثل فيتامين د – لدى الأطفال وخصوصاً الطالبات، وبمعدلات تعتبر الأعلى بين دول العالم.
هذه بعض المقترحات التي نأمل النظر فيها، والعمل بين وزارة التربية والتعليم وجميع الشركاء من المجتمع والأهالي والإعلام في سبيل الاستثمار الأمثل في الإنسان المواطن، أساس وهدف الوطن.