العمل في المجالس البلدية من منظور وطني، يعكس ما يتمتع به عضو المجلس من رغبة عميقة في الدخول في تفاصيل التجربة الاجتماعية، والفعل الاجتماعي، وما يطمح إليه من منجز تحديثي، وتنظيمات إنمائية، ترفد مقومات الحياة، وتسعى جاهدة لتقديم مضامين، وطموحات صاعدة ومغايرة لما ألفته الذاكرة التقليدية، من حيث الخدمات المعطوبة والمعطلة، ومظاهر الحياة اليومية غير المرضية، والتعبير عما تفيض به نفوس من انتخبوه من أحلام مؤجلة، وتطلعات جوهرية، كان قد التزم بها ضمن برنامجه الانتخابي، ووعوده الخضراء، ولكن الملاحظ أن عضو المجلس البلدي يقع تحت وطأة السخرية حينا، وعدم المبالاة أحيانا أخرى، من قِبل مواطني دائرته، لأنهم لا يدركون أن مصدر خذلانه، وعجزه عن تلبية مطالبهم ورغباتهم، يأتي من سقف صلاحياته الواطي، وسلطته المحدودة التي حددتها المادة الخامسة من لائحة المجالس، والتي لا تتعدى سبع مهمات ذكر الأستاذ عيسى الحليان أن اثنتين منها تبدآن بعبارة "يدرس المجلس"، واثنتين منها تبدآن بعبارة "يبدي المجلس رأيه"، واثنتين تتضمنان عبارة "يقترح المجلس"، عندها تأملت ذلك الود المفقود أو شبه المفقود بين المجالس البلدية والمواطنين، وعدت إلى نبش الذاكرة، والبحث عن تلك القصيدة ذائعة الصيت، والتي أطلقها بيرم التونسي قبل عشرات السنين "حين اغتاظ وقرر أن يرفع راية العصيان ضد المجلس البلدي، وأن يكتب قصيدة يجعله فيها "مسخرة" في أفواه الناس" حيث يقول: قد أوقع القلب في الأشجان والكمد هوى حبيب يسمى المجلس البلدي. ما شرد النوم من جفني القريح سوى طيف الخيال خيال المجلس البلدي. إذا الرغيف أتى فالنصف آكله والنصف أتركه للمجلس البلدي. وإن جلست فجيبي لست أتركه خوف اللصوص وخوف المجلس البلدي. مع ملاحظة أن بيرم كان يقصد أعضاء المجلس في الإسكندرية، وهم من الأجانب في مرحلة الاستعمار، حيث طلبوا ترجمة القصيدة إلى لغتهم. ويكمل بيرم فيقول: وما كسوت عيالي في الشتاء ولا في الصيف إلا كسوت المجلس البلدي. كأن أمي أبلَّ الله تربتها أوصت فقالت: أخوك المجلس البلدي. أخشى الزواج فإن يوم الزواج أتى يبقى عروس صديقي المجلس البلدي. وربما وهب الرحمن لي ولداً في بطنها يدعيه المجلس البلدي. يا بائع الفجل بالمليم واحدة كم للعيال وكم للمجلس البلدي. ولذا عندما يكون منسوب الوعي لدى الناخب، أعلى من عضو المجلس ومفهوماته، واستبصاراته، فسوف يحدث التنازع، مما يعصف بالثقة، ويصيب العلائق المتبادلة بالضمور، ويولد تلك النبرة الحادة، والسخرية اللاذعة ضد عضو المجلس البلدي، ولكن نشدان التكامل وحضور الوعي لدى العضو المنتخب، يفتح أبواب العمل المثمر، ويغلق نوافذ المحتوى السلبي، بعيدا عن تسويغ الإخفاقات، مما أفقد التجربة حرارتها، ووهجها، كما رأينا مؤخرا.