تضطلع البلديات بحوالي 62 مهمة وخدمة لها علاقة بالمواطنين بشكل مباشر وغير مباشر، ولست أدري ما نوع المهمة أو الخدمة رقم (1) من الـ(62) التي لها علاقة بالمواطن بعد إطلالته الأولى على الدنيا، فهل هو الشارع الذي يسلكه مع أهله أثناء خروجه من المستشفى أم أن هناك عنصرا آخر من قائمة الـ(62) لا علم لي به وله علاقة مباشرة بالمولود أثناء تواجده في المستشفى، لكنني على يقين أن آخر مهمة أو خدمة أو مسؤولية من قائمة الـ(62) المعنية بها البلدية تجاه المواطن هو إيصاله إلى المقبرة بعد وفاته، وتجهيز تلك الحفرة التي يدفن بها.
ما أود الوصول إليه أن البلدية تطاردنا بحفرها من ولادتنا إلى ما بعد مماتنا، وتأكيدا لذلك بودي أن يستذكر المواطنون بمن فيهم أمناء المدن ورؤساء البلديات هذا المشهد، فهل غابت الحفر يوما ما عن ناظرهم منذ أن وعوا هذه الدنيا إلى هذه اللحظة باستثناء فترات سفرهم للخارج؟
الحفرة حاضرة في حياتنا دائما، لا ينافسها منافس أبدا وكلما شكونا منها ولعناها امتدحوها لنا قائلين ".. فمن الحفرة نصنع ناطحة سحاب، ومن الحفرة نبني غدا أفضل، وجل حفر اليوم لمعالجة أخطاء الأمس التي هي في ذمة من لم يكن لديهم بعد نظر حول ما ستؤول إليه الأمور، من حيث العدد وعلاقة ذلك بالمكان والزمان".
والحق أنه يمكن لنا أن نغفر لأولئك الأولين ونلتمس لهم الأعذار وفقا للمعطيات والإمكانات المتوفرة لهم آنذاك، لكن أن تعتمد البلديات مخططات سكنية حديثة ويمارس العبث في شوارعها عبر الحفر فذاك لا عذر ولا مبرر له مطلقا، ولا يمكن ربطه إلا بالفساد وافتقاد الأمانة والذمة والإخلاص عند هذا المسؤول أو ذاك، ممن بيدهم السلطة والقدرة على منع حدوث مثل هذه الفوضى التي بطلها الحفرة وضحيتها السكان والمدن.
وحتما هناك جهات عديدة تشارك البلديات وتنافسها العبث بشوارعنا واستفزازنا وتعكير حياتنا، لكن تظل البلديات هي المسؤولة بالدرجة الأولى عما يحدث، لأن شوارع المدن تقع تحت مسؤولية البلديات، ومن الواضح أن كثرة شكاوى السكان وقوة نقد الإعلام لـ(ظاهرة الحفرة) لعدة عقود لم تنفع في دفع البلديات لتجاوز أعذارها التقليدية حول هذه العلة إلى المبادرة بطرح أفكار وتصعيد الموضوع إلى أعلى المستويات بحثا عن حل جذري له، ومن ذلك التنسيق مع المجالس البلدية ومجالس المناطق أو مجلس الشورى لاستصدار قرار أو نظام من مجلس الوزراء لوضع حد لهذه العلة.
وبما أن البلديات وفقا لهذا الواقع غير مهتمة وغير جادة في إيجاد حلول تنقذ المدن والسكان من (الحفرة) فلماذا لا تلتفت هيئة مكافحة الفساد لهذه القضية التي أزعجت المواطنين وشوهت صورة المدن واستنزفت خزينة الدولة، فلعلها تفضح من يقف وراء حفر الحفرة ثم دفنها ثم حفرها ثانية وثالثة ودفنها، وتستصدر قرارات تضيق الخناق على أولئك المستفيدين من الحفرة، وتصنف أعمالهم تلك على أنها من الفساد الإداري والمالي؟