أعلن الرئيس المصري حسني مبارك أنه لن يترشح في الانتخابات الرئاسية المقررة في سبتمبر المقبل. وأضاف في تأكيد لاستعداده لتسليم منصب الرئاسة في نهاية ولايته أن "مسؤولياتي الأولى الآن هي استعادة أمن واستقرار الوطن لتحقيق الانتقال السلمي للسلطة في أجواء تحمي مصر والمصريين، وتتيح تسلم المسؤولية لمن يختاره الشعب في الانتخابات الرئاسية المقبلة". ودعا في كلمة ألقاها مساء أمس، البرلمان الحالي بمجلسيه الشعب والشورى إلى مناقشة تعديل المادتين "76" و"77" من الدستور بما يعدل شروط الترشيح لرئاسة الجمهورية ويعتمد فترات محددة للرئاسة. كما دعا الشعب بكل طوائفه للمشاركة في استعادة أمن الوطن لتحقيق الانتقال الآمن للسلطة خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة.

وكلف الرئيس مبارك الأجهزة الأمنية بالاضطلاع بدورها في خدمة الشعب بكل نزاهة، فيما دعا الأجهزة الرقابية إلى اتخاذ ما يلزم من إجراءات لمواصلة ملاحقة الفاسدين.

من جانبهم، رفض ألوف المحتجين المعتصمين في ميدان التحرير بوسط القاهرة أمس الاقتراحات الإصلاحية، مشددين على عدم مغادرتهم الميدان قبل استجابة مبارك لمطلبهم بأن يرحل.




رفض عشرات آلاف المتظاهرين في ميدان التحرير بقلب القاهرة الدعوة التي وجهها نائب رئيس الجمهورية اللواء عمر سليمان للحوار مع المعارضة وإجراء اتصالات مع القوى السياسية المختلفة الراغبة في "إسقاط النظام"،فيما شهدت الإسكندرية والمنصورة والمحلة والسويس مظاهرات حاشدة.

وقال منظمو التظاهرة المليونية إن عددها فاق الرقم المستهدف إذا ما أضيفت إلى المتجمعين في ميدان التحرير، الجموع في ميدان عبد المنعم رياض وميدان طلعت حرب، رغم الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها سلطات الجيش للحد من تدفق المتظاهرين من أنحاء البلاد المختلفة، وعلى رأسها تعطيل خدمة السكك الحديد، وفرض حظر التجوال من الثالثة بعد الظهر حتى الثامنة صباحاً، ونصب الحواجز على الطرق البرية، ومنع مرور بعض السيارات خارج أوقات الحظر.

وكان سليمان أعلن مساء أول من أمس أن الرئيس مبارك كلفه بإجراء اتصالات مع المعارضة بغرض التوصل إلى بلورة المطالب وتحقيق الإصلاحات الضرورية، مؤكدا أن الحكومة الجديدة التي أعلنت أسماء تشكيلتها قبل يومين، ستعمل على تحقيق بعض المطالب الإصلاحية، وخصوصاً ما يتعلق منها بمكافحة البطالة والفساد والغلاء وتحقيق الموازنة بين الأسعار والأجور.

لكن المتظاهرين ومعظم القوى السياسية المعارضة الجديدة والتقليدية أعلنت رفضها لإجراء حوار مع السلطة "قبل أن يرحل الرئيس مبارك".

وأعلن"الائتلاف الوطني للتغيير"، الذي يضم قوى سياسية مختلفة منها حزب"الوفد" و"الجبهة الوطنية" و"الجمعية الوطنية للتغيير"، رفضه أي مفاوضات "إلا بعد رحيل مبارك".

لكن مصادر مطلعة قالت لـ"الوطن" إن سليمان التقى الدكتور محمد البرادعي ورئيس حزب الوفد سيد البدوي بالفعل وظهرت دعوات في أوساط التظاهرات لـ"محاكمة مبارك" في تصعيد للمطالب المعلنة عبر اللافتات والهتاف والتي كانت تقف عند "إسقاط النظام" و"رحيل الرئيس". واتخذت الأمور طابعاً غامضاً ظهر أمس، بسبب عدم قدرة حركة المتظاهرين حل تطوير هيئة أو لجنة يمكنها الحديث باسمها وبلورة مطالبها والتفاوض عليها.

من جهة أخرى، قالت مصادر سياسية مصرية موثوقة إن "رئيس الوزراء اليوناني جورج باباندريو والسفيرة الأميركية في القاهرة مارجريت سكوبي والسفير البريطاني في العاصمة المصرية دومينيك اسكويث اتصلوا هاتفيا بالبرادعي للاستفسار منه عن رؤيته لكيفية انتقال السلطة إذا ما وافق الرئيس المصري على التخلي عنها".

وتابعت المصادر أن "البرادعي عرض اقتراحين الأول هو تشكيل مجلس رئاسي مؤقت مكون من ثلاثة أشخاص أحدهما عسكري والاثنان الآخران مدنيان، والاقتراح الثاني هو أن يصبح اللواء عمر سليمان رئيسا مؤقتا -ربما بتفويض من مبارك- خلال فترة انتقالية تشهد حل مجلسي الشعب والشورى وإعداد دستور جديد للبلاد وإجراء انتخابات نيابية ورئاسية حرة بعد إقرار هذا الدستور".وأوضح المصدر أن "البرادعي يميل الى الخيار الثاني".

وأعلن البيت الأبيض أمس أن سكوبي أجرت محادثة هاتفية مع البرادعي.

ورغم تأكيد الجيش قبل يومين أنه "لم ولن يستخدم القوة ضد المتظاهرين، وأنه يتفهم مطالبهم ويدركها"، فإن مصادر عديدة حذرت من محاولات "توريط الجيش في أعمال عنف".

وقال عماد الدين أديب الصحفي ورجل الأعمال المقرب من أسرة الرئيس مبارك إن رسالة الجيش يمكن أن تقرأ على أنها "لقد قدمت يدي فلا تفهموني خطأ"، فيما حذر الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل من وضع الجيش في مواجهة الشعب معتبراً أن ذلك بمنزلة "انتحار".

وسادت مخاوف من اندساس عناصر مخربة وسط التظاهرات وحرفها إلى تصادم عنيف بين الجيش أو قوات الشرطة التي زادت من انتشارها أمس من جهة والمتظاهرين من جهة أخرى.

وسعت الحكومة الجديدة إلى تهدئة الرأي العام وطمأنته، حيث نقل التلفزيون الرسمي تصريحات لعدد من الوزراء الجدد، منهم وزيرة القوى العاملة التي احتفظت بحقيبتها، عائشة عبدالهادي، ووزير التضامن الاجتماعي الدكتور علي مصيلحي الذي احتفظ بمقعده أيضاً، حيث أكدا "اتخاذ إجراءات لضمان مواجهة مشكلات البطالة وغلاء الأسعار وتوفير الإمدادات الغذائية.

وطرأت ارتفاعات كبيرة وصلت إلى 40% على سلع أساسية، واندلعت مواجهات بين مواطنين للحصول على الخبز من المخابز التي تعمل بطاقة محدودة خصوصاً في المناطق الشعبية، وسقط قتلى جراء تلك المواجهات.

وواصلت اللجان الشعبية التي شكلها المواطنون عملها في حفظ الأمن، وتراجعت الأنباء والتحذيرات عن عمليات سلب ونهب وبلطجة أو إطلاق نار عشوائي بهدف الترويع، فيما عززت الشرطة من تواجدها على استحياء وبالتنسيق مع الجيش، ونشرت دوريات تضم ضباطاً من المباحث والعمليات الخاصة في مناطق مختلفة من المدن.

واستغل أشخاص حالة الانفلات الأمني وارتدوا ملابس الجيش أو ملابس شبيهة لها، وهو ما دفع الجيش إلى إصدار بيان حذر فيه من "ارتداء أي شخص لا ينتمي إلى الجيش الزي العسكري".

وعين الرئيس حسني مبارك محافظاً جديداً لمحافظة سوهاج هو وضاح الحمزاوي، في إشارة إلى رغبة النظام في إحكام السيطرة على المحافظات التي تعرف أهمية استراتيجية.