الانقسام السياسي الذي تشهده مصر حول بقاء الرئيس حسني مبارك أو رحيله، لم يكن حبيس تجمعات ميدان التحرير في القاهرة وبقية المدن المصرية الأخرى فحسب، بل امتد ليشمل المصريين المقيمين في السعودية إنما بصورة أقل حدة.

وكانت عبارة "ربنا يستر على بلدنا. ويخليها بخير" سيدة الموقف في الاستطلاع الذي أجرته "الوطن" أمس، في أكثر من منطقة بجدة والدمام. ولم "يكن الستر على المحروسة هو الحاضر فقط، بل كان الخوف من المستقبل المجهول لحلحلة أزمة الكنانة، وما يمكن أن تجره من ويلات الحرب الأهلية".

مصير مجهول

إسماعيل خليفة التقيناه بسوق الصناعية بحي بني مالك في جدة، يعمل حداداً منذ سنين وتعود جذوره إلى أسيوط بجنوب مصر، كان أكثر تأثراً على مستقبل بلده، مشيراً إلى أنه يستقبل كل ما يجري في موطنه "بالدموع". وقال "كل ما يجري الآن على حساب ومقدرات وممتلكات الشعب المصري". ورغم ابتعاده عن السياسة، قال "اعطوا الريس فرصة عشان يشتغل بالله عليكم".

ومن محافظة القليوبية لم يخرج سياق حديث عاطف بنها إلى "الوطن" عن مسار "ربنا يسترها علينا وعلى أهالينا بمصر"، مضيفاً أن "الناس تعيش حالة توهان حقيقية، ولا نعرف بالضبط الطريق سيوصل أرض الكنانة إلى أين؟".

الاستفهام الذي طرحه بنها أجاب عنه الصيدلي بجدة وائل مهدي، إذ حذر "من الحرب الأهلية التي يمكن أن تصطلي بها مصر". وقال "من خلال ما نشاهده تتحسر قلوبنا على مصر، وعلى شبابها الذين ذهبت أعمارهم سدى". ووجه حديثه إلى الحكومة والمعارضة بأنه "يجب الاتفاق من أجل البلد، وأن تسود روح الثقة بين الجهتين".

وأبدى الصيدلي تفاؤله الكبير، مختلفاً عمن شملهم التقرير بالقول "الأزمة السياسية التي نمر بها مؤقتة، والكل يدرك ذلك، بفضل الله، ومن ثم بفضل الواعين والمدركين من الشباب المتعلم والمثقف".

تحقيق المطالب

في الضفة المقابلة كان للمدير التنفيذي بشركة خاصة للإنتاج الإعلامي ياسر طلعت مسلم، رأي مخالف. وقال "كان هناك نوع من التفاؤل بعد خطاب الرئيس مبارك الأخير، وانعكس ذلك على المعارضة مما أدى إلى انشقاق واضح في التعامل مع الخطاب". ويضيف "إلا أن ما حصل بعد ذلك من تهجم أنصار الحزب الوطني الحاكم والأمن على المجتمعين في ميدان التحرير دفع الأمور لأبعد من ذلك". وأضاف أن الخروج من الأزمة يكمن في تحقيق كافة مطالب الشعب المصري من الحريات، والحياة الكريمة، وانتخابات نزيهة".

صوملة مصر

وبدوره أجاب الحاج أحمد، كما يحب أن يطلق عليه المصريون في مهنة "بيع الدجاج"، التي يزاولها في السعودية منذ 33 عاماً، بشيء من الاقتضاب وقال إن "مستقبل مصر في خطر، ويحرقنا ما نشاهده من المناظر المفجعة".

أما "الأسطى" أو "المعلم" بمحل الفلافل المصرية بشير عز الرجال أحمد الشافعي، فقال إن "ما أخشاه على مصر أن تتحول لصومال أو عراق آخر". عز الرجال العائد من مصر حديثاً قال لـ "الوطن"، "بلدنا والله حلوة وجميلة، وحرام ما يحصل فيها".

وفي السياق، أكد المقيم في المملكة منذ 25 عاما محمد الوصيف، متابعته للمظاهرات منذ انطلاقها على موقع "الفيس بوك"، مبيناً أنها كانت تحمل أفكاراً سلمية ولها مطالب عادية، لكن ما لبثت أن اشتعلت كالنار وتبدلت اتجاهاتها بسبب الآراء المتضاربة. وطالب الوصيف بالتغيير الدستوري مع بقاء الرئيس مبارك في السلطة، كما استنكر مساهمة بعض الدعاة والمشاهير في تأجيج الفتنة بمصر.

أما سعيد عبد القادر (46 عاما) فاتهم الحكومة بما آلت إليه المظاهرات لعدم تدخلها وحلها في مراحلها الأولى بالطرق السلمية.

وبدوره ذهب عمر علي إلى أزمة أخرى تهدد مصر وهي نقص الغذاء، والذي قد يتسبب في إشعال فتيل أزمة كبرى إذا استمر الأمر على هذا المنوال. وحول وجود "بلطجية"، قال جميع ذويه وأصحابه أخبروه بأنهم سمعوا مثل ذلك إلا أنهم لم يروا أعمال البلطجة.

وعلى نفس الحديث ذهب شريف محمد علي (47 عاماً) إلى أنه سمع من أقاربه وأصدقائه بمثل تلك الأعمال التخريبية، ألا أنه حديث يتداوله الناس فيما بينهم.

حسرة نسائية

على الصعيد الآخر، تباينت آراء المصريات المقيمات في السعودية بين مؤيدة ومعارضة لما يحدث في مصر، حيث كان صوت سهير عبد الله ـ معلّمة بمدرسة خاصة بالدمام، مليئا بالحسرة على ما يحصل في بلدها. وعبرت عن استيائها بقولها "الحزن كبير والكلام قليل"، مشيرة إلى أنهم أصبحوا يجلسون أمام التلفزيون صباحاً ومساءً لمتابعة الأخبار وما يجري في مصر.

من جانبها، حمّلت وبصوت غاضب ربّة المنزل هالة صالح ـ المقيمة في الدمام وتنتمي إلى محافظة البحيرة، المعتصمين في ميدان التحرير السبب وراء انهيار الأوضاع.

أما السيدة منى سليمان ـ وهي من أم سودانية وأب مصري وتعمل في صالون تجميل في الدمام، فقالت "ما يحصل في مصر يتعرض لتضخيم من قبل بعض القنوات الفضائية، ولا توجد أعمال شغب كثيرة تستدعي الخوف".

لكن عواطف سالم ـ زوجة مهندس مصري يعمل في الشرقية، من طنطا، قالت إن تواصلهم اليومي مع الأسرة أصبح صعبا بعد الأحداث الأخيرة. وفيما إشارت إلى معاناة طنطا من بعض عمليات السلب والنهب، قالت إن من أسباب ذلك الاحتقان ومعاناة المصريين اقتصاديا.