استبشرت وغيري بإعلان موافقة خادم الحرمين الشريفين وتوجيهه ـ حفظه الله ورعاه ـ ومن كل مرض شافاه ـ على تشكيل لجنةٍ عليا متكاملة ورائدة تعنى بالتراث ـ والآثارـ والتراث غير الماديـ ومشروع الحفاظ على الآثار وحمايته ـ وإقامة معرض عن التراث المستعاد ضمن المهرجان الوطني السابع والعشرين للتراث والثقافة. الإعلان الذي أعلنه الثلاثاء الماضي أول رائد فضاء مسلم، رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار؛ صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز نقل أكثر من 27 مليون نسمة إلى فضاء بلادهم ـ وأقصد بذلك المساحات الشاسعةـ والمدى الواسع الذي يحيط بهم.
الإعلان الكريم أعادني إلى أرشيف خاص عن الآثار والتراث ـ ووجدت آخر ما تضمنته كلمة الأمير سلطان بن سلمان في سوق عكاظـ في 22 شوال الماضي ـ التي ركز فيها على بعدٍ مهم قد يغفل عنه الناس، وهو البعد الحضاري لبلادنا ـ ودلل عليه بالمهرجانات الوطنية المستمرة للتراث والثقافةـ ومعارض آثار المملكة ما تم وما سيتم منها ـ وأمر ولي الأمر بنشر مكتشفاتنا الأثرية التي تؤكد على أننا نملك حضارة مزدهرة في بلادنا ـ يعود تاريخها إلى 9ـ000 سنة. من أبرز ما يشكِّل هذا البعد الحضاري كما ذكر سموه هو إرثنا الثقافي المحفوظ في آثارنا وتراثنا العمراني والشعبي ـ من ليس له ماض ليس له حاضر وبالتالي ليس له مستقبل ـ وهذا يتطلب أداء واجب القيام بمسؤولياتنا الحضارية والتراثية على الوجه المطلوب.
مناسبة ما أسلفت ذكره هو الرغبة الجادة في تطوير منطقة جدة التاريخيةـ التي كانت تسمى بمنطقة جدة القديمة. وهذه المنطقة بما فيها ـ وبمن (كان) فيها تشكل حلماً خاصاً للهيئة العامة للسياحة والآثارـ يتطلب حلاً حاسماً لأي تحديات ـ لا أقول معوقات ـ التحديات في حقيقتها قليلةـ لكنها هامةـ وحلها في الحسم المنتظر بعد توفر المعطيات اللازمة لذلك.
من هذه التحديات تعدد ورثة ملاك المنطقة وتفرُّعهم ـ وأيضاً وجود الأوقاف ـ ومنها مثلاً ما هو مشروط بشروط توزيعٍ معينة لفئاتٍ محددةـ أوقفها أصحابها قبل 159 سنة. وكذلك عقود الإيجارات القديمة للأوقاف ـ التي لا تناسب قيمتها قيمة العقارات في الوقت الحاضرـ والمعروفة بالحِكر ـ بقاء قيمة المتر المحَكَّر بنصف ريال يكاد يشيب له رأس الوليد ـ وتعويضات نزع الحكور 25% للمالك ـ و75% للمستحكر أمر يحتاج إلى تجديد.
الحمد لله أن ملاك المنطقة متفهمون لأهمية استعادة ذاكرة مدينتهم وتألقهاـ ومستعدون لإنجاح وتحقيق هذا الحلم ـ لأن في نجاحه نجاحا لهم ولأبنائهم وأحفادهم من بعدهم ـ ولا أحلى ولا أجمل من الاهتمام بالبعد الإنساني والبعد الحضاري للإنسان. والحمد لله أن رئيس السياحة والآثار طمأن الشرعيين قبل غيرهم أن ديننا القيم يعترف بالحضارات وقيم أصحابها ومواقعهم ـ وأكد برؤية الخبير أن "البعد الحضاري للمملكة قوة لا بد أن يتحول ويخرج من بطون الكتب، إلى أن يكون واقعاً وحضارة". والحمد لله أن وعي الناس في بلادنا ساهم في تقدير الآثار الدينية والدنيويةـ وساهم في أن تكون تاريخاً معاشاً ـ لا أسطورة تحكى.
والحمد لله آخراً وليس أخيراً على أن قيض لهذا الأمل مسؤولاً استطاع بحسه وبأدبه وبرجاحة عقله أن يكوِّن له رصيداً كبيراً من الاحترام والتقدير والثقة ـ صعد إلى الفضاء وما زال يَصعد ويُصعد غيره إلى أفضية الكون المختلفةـ ويجادل بالحسنى كل من يقف دون أن يسمح بأن نصدح قائلين: "نحن بخير ما دام تراثنا بخيرـ وما بقيت آثارنا بخير".