كلما رأيت الأفعال العجيبة للكاميرا الصغيرة التي تحولت من إكسسوار ترفيهي ملحق بأجهزة الاتصال النقالة (الجوالات)، إلى أداة خطيرة، بل ومخيفة جدا للكثيرين، وخصوصا من يفضلون العمل(بصمت) ومن (تحت لتحت). أقول كلما رأيت هذه العجيبة ذات الأفعال الكبيرة والتي وصلت إلى تحويل أفكار وقلب قناعات والأهم كشف حقائق، أتذكر صيحات التحذير التي أطلقها أحد الأصدقاء قبل سنوات، عندما بدأت أولى أنواع الهواتف النقالة المزودة بكاميرا تدخل للمملكة، حيث كان ينقل بعض آراء الدعاة والتربويين والاجتماعيين حول خطرها على الأسرة، وكيف يمكن أن تتسبب في " فضائح" اجتماعية، كتصوير النساء في الحفلات العامة والخاصة وما شابه ذلك من "مخاطر اجتماعية". وفي الحقيقة ظهرت بعض تلك الأمور فيما بعد، وظهر غيرها الكثير. ولكن وقتها لم يتحدث أحد عن أن هذه الكاميرا قد تكون أداة إصلاح وتقويم فتاكة جدا، حيث كان الجميع يتسابق لاقتنائها، حتى أولئك الذين تدور حولهم شبهة الفساد المالي والإداري بحكم أنهم الأكثر شغفا بوسائل الترفيه، وفي مقدمة عشاق "التميز". وبقيت هذه العين الصغيرة فترة من الزمن تفتح على مطاردة النساء في الأسواق وتسجيل اللحظات الحاسمة في "التفحيط"، حتى تطورت شيئا فشيئا لتصبح أداة لإدانة معلم خرج عن طوره فضرب طالبا! أما الآن فقد تكون من أكثر الموجودات المخيفة لكثير من المسؤولين الذين كانوا "يشخصون" ثم يطلقون ابتسامة صفراء أمام المصور التلفزيوني أو الفوتوجرافي، وبمجرد التقاط الصورة أو المشهد قد لا يتورع أحدهم في طرد المصور من أقرب باب.. فهل تراهم سيجرؤون اليوم؟

وعلى البعد الأشمل، فإن ما حدث بعد نشر لقطات اعتقال ثم قتل القذافي، أثبت أن تلك الكاميرا الصغيرة قد تتحول إلى وبال على صاحبها، حتى وهو في لحظة الانتشاء والفرح بحصوله على "لقطة العمر"، فقد أدانت الكاميرات الصغيرة أصحابها الثوار وحولتهم من "أبطال تحرير" إلى متهمين بخرق أبسط حقوق الإنسان التي كانت من أهم شعاراتهم منذ انطلاق الشرارة في "بنغازي".

ومن يدري، فقد تكون لقطات الـ" ثواني" سببا في سجن أحدهم عشرات السنين، سواء في ليبيا أو غيرها، حاضرا أو مستقبلا. ومن يدري، فقد يصدر قانون يـ" جرم" حاملي الجوالات في حضرة سعادة المسؤول.