"ابتهج المبتعثون في الولايات المتحدة الأميركية بمكرمة ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران المفتش العام صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز، الذي قدم هدية للطلبة الذين تشرفوا بزيارته في محل إقامته بمدينة نيويورك عبارة عن مبلغ 10 آلاف دولار لكل منهم، وكان عدد من المبتعثين قد تشرفوا بمقابلة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز الأسبوع الماضي في مقر إقامته في نيويورك، ووجه سموه في اللقاء كلمة أبوية، ثم أعلن سموه عن تقديم هدية لأبنائه الطلبة والطالبات الحضور عبارة عن مبلغ عشرة آلاف دولار لكل طالب وطالبة".
ذلك الخبر كان في 2009م عند أول زيارة للأمير سلطان – رحمه الله - لتلقي علاجه في مدينة نيويورك، حيث حرص بتوجيه معالي السفير السعودي في أميركا عادل الجبير والملحق الثقافي الدكتور محمد العيسى بلقاء أبنائه وبناته المبتعثين في أميركا، وحدد موعداً بالتنسيق مع عدد من المبتعثين والمبتعثات في ولايتي نيويورك ونيوجرسي، اكتظت القاعة بالحضور وبدأ – رحمه الله - بكلمة ارتجالية:
"على كل حال الليلة ليلة سعادة كلنا إخوانكم وأي إنسان له ملاحظة فأنا على استعداد لقبول أي ملاحظة أو وجهة نظر سواء كان ذلك شخصياً أو كتابياً، وإن شاء الله ولي الأمر وأنا في خدمتكم جميعاً .. وأنا ودي تقبلون مني هدية وإن كانت أقل من حقكم لكنها (مصفوط خاطر) عشرة آلاف دولار لكل واحد".
عمت الفرحة والتصفيق من قبل الحضور داخل القاعة مرددين سلطان.. سلطان.. ولكن القصة حينها لم تتوقف هنا، فقد قابل ذلك غبطة كثير من المبتعثين الذين لم يحظوا بلقاء الأمير ولم ينالوا الهدية مثلما نال زملاؤهم، فبدأت بعدها تحركات وجهود الملحق الثقافي الدكتور محمد العيسى ومعالي رئيس المكتب الخاص لسمو ولي العهد الأستاذ عبدالله بن مشبب في إبلاغ الأمير سلطان بذلك؛ فوجه مباشرة بمكافأة 3000 دولار لكل مبتعثي أميركا والدارسين على حسابهم الخاص، الذين تجاوز عددهم حينذاك العشرين ألفاً.
لم يك المال وحده هنا، من رسخ الحب في قلوب المبتعثين بل كانت لِبِنات إنسانية (سلطان) لعلاقة غير آيلة للانقطاع بهموم الابتعاث والمبتعثين، وملامسة احتياجاتهم واهتمامات توزع بعضها على دعم الدارسين على حسابهم الخاص في كل دول الابتعاث، وفي ابتعاث مئات الطلاب من مؤسسته الخيرية لدعم مجال التربية الخاصة وأبحاثها والخدمات المساندة، بل تلك خيوط فكرة لا تتنازل أبداً عن صباها لفقيد الوطن والعاشق له بأحاسيس خالدة لن يتناسى المبتعثون جمالها في زحمة الأيام، لأن ذاكرة الوفاء حريصة على عدم إخفاء تفاصيل المرحلة و الفخر بها.
وسبراً لأغوار تلك الذاكرة التي جعلتني أعجز في مقال عن وصف قامة سامقة بحجم الوطن وتفاصيله لتستحضر "سلطان" الرمز والقدوة، وهو يشاركنا القصص والتفاصيل ومكارم الأخلاق التي لا حصر لها بابتسامته المعهودة، تلك الذاكرة التي تجاوزت ذاكرة 100 ألف مبتعث ومبتعثة، فجعلتهم يهيجون حزناً في استحضار مآثره وتنقيبها في قصصه وتفاصيله ومكارم أخلاقه التي لاحصر لها، في كل مقاطع الفيديو المنتشرة على المواقع الإلكترونية لتكريس الصورة الحقيقية لشخصية ذات أبعاد سياسية واجتماعية مهمة، في مرحلة أهم امتدت لعقود من تاريخ وطن؛ فعبروا بها مباشرةً خلال ساعة من خبر الفاجعة عن حزنهم العميق لرحيل والدهم واختاروا إيصال عزائهم والتعبير عن مشاعرهم من خلال إنشاء صفحات إلكترونية خاصة بالعزاء في الفقيد، ربطت مبتعثي أميركا من خلال موقع "طلبة سعوديون في أميركا" و مبتعثي كندا وأوروبا وماليزيا والصين واليابان والدول العربية ومواقعهم الإلكترونية وبواباتهم وملتقياتهم، حيث تجاوز عدد المعزين خلال الساعات الثلاث الأولى 40 ألف طالب وطالبة من المبتعثين السعوديين في دول العالم.
تلك المشاعر المتنوعة التي عبرت الأثير بكل أطيافه مليئة باللهج بالدعاء له بين قصائد الرثاء والعبارات حزينة، وعدد من المقاطع الصوتية والمرئية عن إنسانية الفقيد وأعماله الخيرية وأياديه البيضاء ومآثره، فكان البُعد الإنساني لديهم هنا فقط من يرسم كل ملامح الأبعاد الأخرى؛ وتلك باختصار قصة المبتعثين و دلائل علاقة وشيجة مع سلطان الخير يحفها الحب والفخر والرحمة، فهنيئاً له- يرحمه الله - هذا الحب الذي لن يعطله القادم في حياة أجيال وقصة وطن.