في معظم دول العالم وابتداء من الرحلة في الطائرة ثم في المطار وبعدها داخل أي مكان عام، مكتبا كان أم مطعما أم سوقا تجاريا، لا يمكن أن تمارس عادة التدخين.. وأضيفت لها غُرف الفنادق.. فأنت توقع في "مظروف" مفتاح الغرفة عند انتهاء تسجيلك في الفنادق بأن التدخين ممنوع في غرف الفندق والعقوبة التي ستطبق إن فعلت. ولهذا أصبح مرتادو الأسواق والفنادق والمطاعم والمطارات يتمتعون بهواء نقي طيلة فترة ارتيادهم لتلك الأماكن.. ولا يمكن أن ترى من يخالف ذلك لأنه يعرف أن كشفه أمر سهل أولا ثم إن هناك تكريسا للعقوبة..ثم إن أفراد المجتمع له بالمرصاد. هذا أمر محسوم في معظم دول العالم إلا في بلادنا.. ادخل على سبيل المثال إلى المجمعات التجارية وإلى المقاهي.. والمطاعم ترى سحابات الدخان التي قد تتجاوز في كميتها سحابات دخان المصانع.. وهنا نسأل أولا: ما ذنب الذين لا يدخنون في تلك الأماكن؟ ثم أين تطبيق الأنظمة.. ومن الشعر نزيد بيتاً بأن معظم الذين يمارسون عادة التدخين في الأسواق التجارية هم العاملون فيها وفي وضح النهار وأمام العامة لأنهم كما يبدو قد أمنوا العقوبة.. فأساؤوا التصرف.. الغريب أنهم قد أمنوا أيضاً مساءلة المجتمع.. أعني أنه لا أحد يتحدث معهم من المرتادين من أفراد المجتمع الذين في رأيي يجب عليهم على أقل تقدير التنبيه لهذه الممارسة السلبية.. ونتساءل في عدم استجابة المرتادين لتلك الأماكن للتعليمات والأنظمة الصريحة التي تمنع ممارسة عادة التدخين في الأماكن العامة.. بينما مواطنو معظم دول العالم يستجيبون. حتى في الأماكن التي تلمح بمنع التدخين بدون أمر نرى استجابة كاملة. فترى في بعض الأماكن لوحة مكتوبا عليها: "هنا توجد رئة".. أليس هذا بالخلق الإسلامي الذي نحن أولى به.. أليس هذا توجيه الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور "مابال أقوام" في تلميح يكشف سمو ورفعة مثل وأخلاق الإسلام الذي يربي عليها معتنقيه حفاظاً على مشاعرهم وتأدباً معهم عندما يُراد أمرهم بفعل شيء أو نهيهم عن فعل شيء آخر. إنه لأمر غريب حينما لا ينفع التلميح ولا التصريح مع أفراد مجتمعنا.. وإنه لأمر غريب عندما يقتنع العالم بمنع التدخين في الأماكن العامة والأسواق ونمارسه نحن.. وأمر غريب عدم تكريس المنع من الجهات المسؤولة وعدم احتجاج المجتمع.

أذكر قصة تتعلق بهذا الأمر. فعندما كنت في رحلتي العلمية في الولايات المتحدة الأميركية.. ورافقت أستاذي في مؤتمر في إحدى الولايات الأخرى.. وفي طريقنا بالسيارة كان السائقون يتجاوزوننا.. كانت السرعة القصوى 55 كم /س ويسمح بزيادتها إلى 60 كم/س.. ومع ذلك يتم تجاوزنا مما أثار حنق أستاذي واستياءه الكبيرين.. ولم يتحمل الأمر.. فطلب مني الدخول إلى إحدى المدن التي مررنا بها.. وسألنا عن مركز شرطة وذهبنا إليه ودخل عليهم وأخبرهم بالأمر.. وألمح لهم أن هناك تقصيرا في عمل الشرطة إذ إننا كنا نسير لمدة ساعتين بسرعة 60 كم /س ولم تكن هناك سيارة خلفنا.. الكل كان يتجاوزنا.. ثم قال لهم إننا لم نر في طريقنا أن أحدا من هؤلاء قد تمت محاسبته إذ لم نر أي سيارة للشرطة توقف أيا من المتجاوزين المخالفين.. وعرفت منذ ذلك الحين أن المسؤولية لا تقع على عاتق المسؤولين فقط بل لأفراد المجتمع دور.. ودور كبير..

أنت ترتاد الأسواق العامة وترى المدخنين عياناً بياناً يسيرون بين المرتادين في ممرات الأسواق بسجائرهم ينفخونها في وجوه الناس.. ولا حسيب ولا رقيب.. إنه أمر يدعو للأسف.. متى نتعلم.. لا أقول نبادر فهذا أمر مستبعد.. لكن متى ندرك ما أدركه الآخرون ووعوا أهميته وفائدته ثم طبقوه.. تحدثت مع أحد الأصدقاء عن هذا الأمر وقلت له: لماذا لا نتحدث نحن مع هؤلاء.. فرد علي قائلاً: وإذا قال لك أحدهم "ماهو شغلك" فبماذا ترد عليه؟ لكنني أختلف مع صديقي. أقول له إننا نتنفس هواء المكان الذي نتواجد فيه معاً، وأنت تفسده.. ومن هنا فإن هذا شغلي ومسؤوليتي ..لأنك تفسد علي بيئتي التي أشاركك فيها. وهذه حجة قوية.

خلاصة القول؛ إنكم قد ترون معي أن هناك بعض القوانين والأنظمة التي أقرت بسبب وجود مصلحة عامة أو درء خطر ولا يتم الالتزام بها. وإذا كان هناك قصور من الجهات المختصة فإنني أظن ويظن معي الكثيرون أن من الواجب أن يسد أفراد المجتمع هذا النقص.. ويعوا دورهم.. أنا لا أطلب من أفراد المجتمع المواجهة مع الآخرين، لكن الدفع بالتي هي أحسن والحديث بلباقة شديدة وتأدب مع الآخرين يثنيهم عن ممارساتهم السلبية.. وأظن أننا كمجتمع وأفراد نستطيع أن نسد الثغرات في كثير من أنظمتنا وقوانيننا إلا أنني أظن أننا متقاعسون. ولا يعني هذا عدم تقاعس بعض جهات من أصدر تلك القوانين والأنظمة. فهل سنبقى كذلك وإلى متى؟