هنالك من تشُّدَهم احتفالات افتتاح الألعاب الأولمبية والمونديالات الكروية ليفتخروا بمشاركة منتخباتهم الرياضية، ويتفاخروا برؤية أعلام بلادهم خفاقةً بين أعلام الدول المشاركة. وهنالك من تُسعدهم لعبة كرة القدم وأحكامها، وينتظرون بفارغ الصبر مبارياتها لكي يستمتعوا أثناءها بقيادة سياراتهم في الشوارع الخالية من المفحطين والتنقل بين الأسواق الفارغة من المضاربين.

السياسي المُحَنَكْ "هنري كيسينجر" كان وما زال من عشاق كرة القدم بسبب ولادته ونشأته في ألمانيا. عندما هاجر مع والديه لأميركا في عام 1938، واكتسب جنسيتها، ودرس العلوم الساسية في جامعاتها، بدأ "كيسينجر" يطالب الحكومة الأميركية، الغائبة عن كرة القدم، بدعم هذه الرياضة لقناعته أن "المنتخبات الوطنية" هي مرآة "الشخصية القومية" الحقيقية في العلوم السياسية.

عندما اختاره الرئيس الأميركي "ريتشارد نيكسون" مستشاراً للأمن الوطني في عام 1968 ومن ثم وزيراً للخارجية الأميركية في عام 1969، حقق "كيسينجر" أحلامه بوضع المنتخب الأميركي لكرة القدم على خارطة "المونديال" كجزء لا يتجزأ من السياسة الخارجية الأميركية. وبدأ "كيسينجر" في حصد نتائج طموحاته التي اختصرها بمقولته الشهيرة: " لن تستطع أميركا أن تسيطر على العالم بدون أن تتفوق في كرة القدم".

خلال فترة عمله وزيراً للدبلوماسية الأميركية، فاز منتخب "السيلفادور" على منتخب "هندوراس" في مباراة تصفيات القارة الأميركية لبطولة المونديال، مما أدى إلى اندلاع الحرب بين الدولتين في 14 يوليو 1969، التي تسببت في مقتل أكثر من 4000 شخص وتهجير مئات الآلاف من شعوب الدولتين، واحتلال "السيلفادور" لجزء من أراضي "هندوراس".

نادي الاتحاد السعودي كان أول نادٍ رياضي يتم تأسسيسه بمدينة جدة في عام 1927، حيث شارك وفاز في أول مباراة دولية مع المنتخب البريطاني التي أقيمت في عام 1949، مما أدى إلى تحقيق الاعتراف الرسمي بكرة القدم السعودية وتشكيل جهاز تنظيمي حكومي لها في عام 1952.

اليوم، وصل عدد نوادي كرة القدم السعودية إلى 153 نادياً، إلى جانب المنتخب السعودي الذي بدأ مسيرته في عام 1957 بفوزه على سوريا (3-1)، وحقق أكبر انتصاراته في 1981م بفوزه على إندونيسيا (8-0). ولكن المنتخب السعودي لاقى في عام 1961 أقسى هزيمة له أمام المنتخب المغربي في مدينة الدار البيضاء بنتيجة (1-13).

خلال مسيرته، تتالى على المنتخب السعودي 45 مدرباً محلياً ودولياً، وشارك في نهائيات كأس آسيا لكرة القدم 7 مرات، حيث فاز بالكأس 3 مرات في 1984، 1988 و1996، بينما حقق المركز الثاني في 1992، 2000 و2007. كما شارك المنتخب السعودي في نهائيات كأس العالم 4 مرات، وذلك في 1994، 1998، 2002 و2000، حيث حقق أفضل النتائج بوصوله للدور الثاني في نهائيات كأس العالم لعام 1994، الذي شهد أجمل أهداف النهائيات من لاعبه السعودي سعيد العويران.

المنتخب السعودي حقق كأس الخليج 3 مرات في 1994، 2002 و2003 وحقق كأس العرب في عام 2003 وكأس دورة التضامن الإسلامي في 2005 وبطولة الخليج الأولومبية الأولى في عام 2008.

في عام 2010، جاء تصنيف المنتخب السعودي متفوقاً على باقي المنتخبات العربية، حيث احتل المركز الـ49 وجاء المنتخب التونسي في المركزال 52 ثم المصري في المركز الـ64 من أصل 76 دولة شاركت في "مونديال" جنوب أفريقيا.

بعد استقلالها عن الألعاب الأولمبية في عام 1930، أصبحت ألعاب كرة القدم بطولة عالمية بحد ذاتها، وأطلق عليها اسم "المونديال". كما ساهمت دولة "أوروغواى" في إطلاق أشهر جولات المفاوضات في التجارة العالمية، التي نجحت في ترسيخ مبادىء العولمة وإنشاء منظمة التجارة العالمية وبادرت دولة "أوروغواي" في تنظيم أول بطولة عالمية لكرة القدم. شارك في هذه البطولة 13 منتخباً دولياً فقط، من بينها 7 منتخبات من أميركا الجنوبية، حيث حققت "أوروغواي" أول بطولة لها في "المونديال" بعد أن فازت على الأرجنتين في المباراة النهائية (4-2). استمرت بطولة "المونديال" مرة كل أربع سنوات بضيافة الدول، ولم تتوقف إلا لفترة 12 سنة (1938-1950) بسبب الحرب العالمية الثانية.

منذ بدء المونديال قبل 80 عاماً إلى يومنا هذا، تأهلت 8 دول عربية فقط للمشاركة في هذه البطولة العالمية، وهي السعودية، والإمارات والكويت والعراق ومصر والمغرب وتونس، والجزائر. هذه الدول خاضت في نهائيات البطولة 55 مباراة، فازت في 7 منها فقط، حيث حققت المنتخبات السعودية والمغربية والجزائرية فوزين لكل منها، وفوزا واحدا للمنتخب التونسي، وتعادلت المنتخبات العربية المشاركة في 14 مباراة وخسرت في 34 منها.

كانت السعودية الأكثر حضوراً عربياً في بطولات المونديال على امتداد 80 عاماً، حيث كانت أول مشاركة لمنتخبها في عام 1994، الذي قدم عرضاً شيقاً توّجه بالفوز على بلجيكا بهدف المباراة الوحيد الذي أحرزه المنخب السعودي. وبذلك تأهل المنتخب السعودي إلى الدورالثاني للبطولة، لكنه خرج من المونديال على أيدي منتخب السويد. كما شاركت السعودية في مونديال فرنسا عام 1998، وجنوب كوريا واليابان في عام 2002، وفي مونديال ألمانيا عام 2006.

الشعوب العالمية التي تخطط لاجتياز المنافسات الأولمبية والمحافل الرياضية وتفتخر بأعلام دولها خفاقةً في الملاعب الدولية، تحصل بجدارة على شرف الاعتماد الدولي والهيبة السياسية.

تحقيق المنتخبات العربية للمراكز الرياضية المتقدمة بين دول العالم، يحتاج إلى شعوب تقرأ مذكرات "هنري كيسينجر" في الدبلوماسية والعلوم السياسة.