يتحول اللون الأحمر اليوم إلى محظور رسمي في المملكة، ويصير بيعه وشراؤه كورود وهدايا وإكسسوارات، أحد موجبات المساءلة والعقوبة بحسب توجهيات مكتوبة وزعتها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على محال الهدايا والورود قبل دخول ما يسمى بعيد الحب أو "فالانتين داي " اليوم.
ولأن الممنوع مرغوب، فإن بعض تلك المحلات تلجأ إلى سياسة البيع من تحت الطاولة، رافعة سعر الوردة الحمراء
الواحدة إلى نحو 100 ريال، أي أن الزوجين اللذين سيرغبان في تبادل وردتين حمراوين اليوم سيضطران لدفع مبلغ يزيد عن ، سعر جرام الذهب عيار 24 الذي بلغ في آخر تداولاته أمس نحو 163 ريالا. وتستجيب بقية المحلات اليوم لأوامر الهيئة بمنع عرض الأحمر، لتكتفي ببيع لون قريب منه، أو تغلق برغبة أصحابها ليومين اتقاء للمشاكل كما وصف بعضهم.
وفي غياب الأحمر، تجد الألوان الأخرى كالفوشيا الغامق أو البرتقالي فرصتها للرواج، فهي لا تزال من عائلته في نظر عدد من المستهلكين. وقال مدير محل لبيع الورود في الرياض أمس، إن جولات الهيئة التفتيشية تبدأ وبشكل مستمر قبل موعد عيد الحب بيومين، مشيرا إلى أن محله بات خاليا من أي سلعة لها علاقة بالأحمر منذ الجمعة الماضية.
واسترجع وهو يتحدث ل"الوطن" قصته قبل أعوام حين صادرت الهيئة من محله صناديق تحتوي على إكسسوارات حمراء يصل سعرها إلى 3 آلاف ريال، قائلا إن رجال الهيئة أخبروه حينها أنهم سيعيدونها بعد انتهاء "الفالانتين". في حين كشف بائع آخر عن حيلة لبيع الورود الحمراء اليوم، وذلك بإخفائها وإيصالها إلى المنازل وأماكن العمل بطريقة سرية خشية أعين الهيئة .
تعود قصة كل عام بين محلات بيع "الورود والهدايا" وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للظهور مجدداً اليوم مع ما يسمى بعيد الحب أو "فالانتين داي". فاليوم تخلو محلات الورود في مدينة الرياض من أي ورد لونه أحمر، وأي نوع من الهدايا والإكسسوارات لونها أحمر. وتلجأ بعض المحلات لتصريف بضائعها بطرق مختلفة لتحاشي الرقابة والمنع، فيما تتوقف محلات أخرى عن جلب ورود حمراء قبل أيام من ذلك اليوم. فيما تلجأ محلات أخرى لإغلاق أبوابها من باب تجنب المشاكل أو حسب تعبير أصحابها "بلاش وجع راس". وفي المقابل يلجأ العديد من الزبائن إلى حيل أخرى للتحايل على مسألة المنع بشراء الورود ذات اللون الفوشيا الغامق أو البرتقالي. وفي لقاءات مع عدد من مديري محلات بيع الورود قال طلال (مدير أحد المحلات) إن جولات الهيئة التفتيشية تبدأ وبشكل مستمر قبل موعد عيد الحب بيومين. وذكر أن محله بات خاليا من أي لون أحمر منذ الجمعة الماضي، ذاكرا قصة له قبل سنوات عندما صادرت الهيئة من محله مجموعة صناديق تحتوي على إكسسوارات ذات لون أحمر يصل مجمل سعرها بالجملة إلى 3 آلاف ريال. وكانت تلك الصناديق في طريقها إلى المستودعات. وقال إن رجال الهيئة أخبروه حينها أنهم سيعيدونها بعد انتهاء الفالانتين إلا أن مطالبنا لم تستجب إلى هذه اللحظة.
وقال آخر إن المجتمع استبدل الورود الحمراء بالفوشيا الغامق، ويضطر الزبائن لشراء الألوان الأخرى عندما لا يجدون أي بديل لها. و ذكر أن هناك بعض المحلات التي تحتفظ بالورود الحمراء والباقات المغلفة لإيصالها إلى زبائنها إلى المنازل وأماكن العمل (دليفري) دون لفت الانتباه لهم وبطريقة سرية.
فيما ذكر مدير محلات وردة الصحراء حازم عبدالله أنهم يقفلون محل الورد الخاص بهم في عيد الحب حتى يبتعدوا عن المشاكل والملابسات المصاحبة لذلك اليوم في كل سنة، مضيفا أن محله لا يحتوي على الورود أو الإكسسوارات ذات اللون الأحمر ، قائلا نحن نستجيب لمطالب الهيئة من قبل يومين من عيد الحب ومن بعده بيومين، مؤكداً أن هيئة الأمر بالمعروف لا تزعج إلا المخالفين والبائعين الذين لا يلتزمون بقوانينها.
ويضيف أحد البائعين في محل زهور الغابة أن الهيئة قد مرت على محلهم في فترتي الصباح والظهيرة أكثر من 4 مرات، مشيرا إلى أن الزبائن لجأوا إلى اللون الفوشيا الغامق والبرتقالي، مؤكدا أن حركة البيع في ذلك اليوم تسير بشكل طبيعي ولا توجد أي زيادة تذكر في المبيعات وإيراد المحل.
وعلى جانب آخر تثير تلك المناسبة الغربية المنشأ العديد من التساؤلات في أذهان من لا يقبلون بالتقليد الأعمى لكل ما يحدث في الغرب، بصرف النظر عن اختلافه أو تعارضه مع قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا ومن تلك التساؤلات " هل نحتاج إلى الاحتفال بالحب احتفالا ظاهرياً لا يعبر بالقطع عن وجوده كقيمة ثمينة في حياتنا؟ أم نحتاج إلى نشر الحب وإدراك قيمته ومعناه؟
ويقول المواطن عبدالعزيز المحسن إن عيد الحب عيد "رأسمالي" - على حسب تعبيره – مفتعلاً، اخترعته بعض الشركات لتسويق المنتجات المتبقية بعد مواسم الأعياد. وترى ماجدة القحطاني أن ما تشعر به تجاه زوجها من حب لا يتطلب احتفالاً خاصاً، فهو عاطفة دائمة تجسد ما في داخلها من مودة طبيعية تلقائية في كل لحظة. وهذا الإحساس من وجهة نظرها لا يمثل أهمية إلا لزوجها الذي يستشعره، ولا تريد أن يشاركها فيه سواه، فهي مشاعر – كما تقول – شخصية بحتة، لا تتطلب إقامة احتفالات لها، لأنها مجسدة في حياتنا اليومية في صورة أفعال وليس مجرد كلام وشعارات.
وتقول عبير راشد: إن ما يشدنا لبعض المواقف أو المشاهد الرومانسية هو الجانب العاطفي الذي يظهر في بعض قصصها، وهو الحب الذي لم نعشه وافتقدناه في حياتنا خاصة نحن النساء المتزوجات، وقد رأيت بعض النساء يتأثرن بالمشاهد الرومانسية ويحاولن تقليد ما يشاهدنه وأن يكن أكثر رومانسية في حياتهن.
وتعتقد خيرية العتيبي أن المواقف الرومانسية التي تحدث في بعض المسلسلات وتؤثر في بعض النساء، ساعدت على مد جسور الحب واستمرار العلاقة الزوجية، نظراً لأنها تدفع النساء إلى الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة التي لا تنتبه إليها عادة، تلك التفاصيل التي تؤدي مراعاتها إلى دعم العلاقة العاطفية، فيما يؤدي غيابها إلى البرود والفتور والقضاء على العواطف القائمة بين الزوجين.
ويرى المستشار الأسري مدرب التنمية الذاتية الدكتور عبدالله العويرضي أن الحب لا يجب أن ينحصر في يوم محدد، لكن لا مانع من جعل هذا اليوم بمثابة محطة نزود بها حبنا لمن حولنا، ويجدد بها المرء الحب في حياته. ويضيف: قرأت كتباً عدة عن الحب ولم أجد أفضل من كتاب روضة المحبين ونزهة العشاق لابن القيم الذي يتناول تاريخ الحب وكل ما يتعلق به من تعريفه وأنواعه، والحب ليس مجرد شعور لكنه سلوك يتبعه المحب تجاه من يحبه بحسب دوره في حياته، مثل إظهار الحب بين الأب وأبنائه بتقبيلهم والعطف عليهم والقيام بحقوقهم.
ويؤكد على أن لون الحب الحقيقي ليس أحمر بل أخضر، وأن العلماء أكدوا أن لون الحب هو الأخضر وليس الأحمر، فالسعادة والراحة والسلام توصف باللون الأخضر وهو لون الجنة، أما الأحمر فهو لون الدم.
وأضاف أن ديننا يحثنا على الحب فهو دين ألفة ومحبة وسلام، والحب ذكر في الشريعة، حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة إن أحببت فلاناً فأخبره، وكان يبين الحب للأطفال بتقبيلهم واللعب معهم، والحب في أمور الحياة كلها ولا يرتبط بحب رجل لامرأة فقط، علما بأنه ظهر في حب الرسول صلى الله عليه وسلم للسيدة عائشة وللأسف اعتمدنا في ذلك سياسة الترهيب لا الترغيب.
وتدعو الاختصاصية الاجتماعية النفسية بالمستشفى العسكري منيرة الذويب إلى إشاعة ثقافة الحب التي تجعل الإنسان يرحم ويحب الآخر ويقدره، والحب بشكل عام، حتى وإن خصص له يوم فلابد من إشاعة الحب بين الناس بكل أطيافهم في المجتمع. وتضيف: الثقافة السعودية لا تحتفل بالحب ولا بيوم الحب ولكن دخول بعض المؤثرات للمجتمع السعودي في السنوات الأخيرة دفع البعض إلى الاحتفال به.
وتقول: ليس هناك مشكلة في الاحتفال بالحب وبيوم الحب، فالحب للأبناء والزوج والأهل والطبيعة وحب الحياة لا يعني الخطيئة بل التواصل مع الآخر فقط. وتساءلت "لماذا نقاتل الحب؟.. لماذا نحارب كل مظاهره، حتى لونه؟
وتضيف: المرأة السعودية نشأت في ثقافة لا تعترف بالحب وإن كانت طبيعتها الحب، فهي حنونة وعاطفية ومحبة، والمرأة التي تحتفل بيوم الحب حتى وإن كان ليس لديها زوج هي امرأة إيجابية وتحتفل مع أبنائها مع صديقاتها مع أسرتها وهو احتفال معنوي، لكنه مهم للمرأة التي تريد ذلك، وبالمقابل فالرجل السعودي للأسف يحتقر ويستصغر الحب ويعتبره سخفاً ولا ضير أن تساعده المرأة على الاحتفال.