بصراحة شديدة، ونتيجة لتأخر الدفاع المدني في الوصول كما قال بعض ضحايا حريق مدرسة براعم الوطن، فإن السبب الأول في إنقاذ أكبر عدد من الطالبات والمعلمات كان نتيجة للتلاحم الرائع الذي قدمه الناس في الشارع حين رأوا المدرسة تحترق وسمعوا الاستغاثات من النوافذ، ولولا الله تعالى ثم أولياء الأمور في الشارع ومدرسة البنين المجاورة لمدرسة الطالبات، ماذا ستكون النتيجة؟ وأخص الشباب بهذه المدرسة الذين أسهموا بشجاعة بما فيهم من خير وشيمة ولم يخافوا النار ولا دخانها أمام صرخات الصغيرات، ليركضوا مشمرين ويدخلوا المدرسة التي فتحت أبوابها أول الحريق لإخراج الطالبات ودخول المنقذين، هؤلاء الشباب الذين نخافهم على الطالبات، وتشددت الوزارة في تطبيق شروط اجتماعية لا تربوية ولا صحية بإعلاء الجدران ووضع القضبان في مدارس البنات، هم أول من دخلوا المدرسة بأخلاق نبيلة وقيم شريفة لينقذوا الطالبات والطفلات وقاموا بحملهن إلى الخارج في الوقت الذي كان الحريق ينتظر الدفاع المدني، لولا هؤلاء الشباب الذين ضربوا مثلا رائعا ولولا أن المدرسة أهلية وليست حكومية تتمتع بقرار إداري يُمكن الحارس من فتح الأبواب ساعة الحريق والسماح للطالبات بالخروج وللشباب بالدخول، لكانت المصيبة عظيمة وعدد المتوفيات والمصابات أكثر بكثير!
وقبل أسبوع من اليوم، نشرت مقالي "صح النوم يا وزارة التربية والتعليم" هنا، وتحدثتُ فيه عن التشدد الممارس داخل مدارس الطالبات مما حولها إلى سجون وإصلاحيات لا إلى مدارس تربوية تقدم العناية التعليمية والجسدية للطالبات، فالمدارس الحكومية للبنات معظمها مستأجرة وعبارة عن مساكن وفلل ضيقة للسكن لا مباني مؤهلة للعملية التعليمية، يشترط في تأجيرها من ملاكها أن تكون مقفلة جيدا وعالية الجدران ومسقوفة الساحات لحجب السماء خشية كشف المباني المجاورة لها! وللأسف ليتها تشترط توافر شروط السلامة قبل تأجيرها، بل مجرد "حبر على ورق" أما المصيبة الأكبر فإن مفاتيح أبواب هذه المدارس في جيب الحارس دائما، والذي قد لا يكون موجودا عند البوابة لقضاء مشاوير الإدارة أو مشاويره الخاصة فترة الدوام، ما يجعل الخطر مضاعفا في حال حصول حوادث أو حرائق ناهيك أنه لن يفتح الأبواب أبدا أمام المتطوعين والشباب والمنقذين للدخول بحكم أنه موظف حكومي ينتظر أمرا من الإدارة العليا لتخلي عنه مسؤولية الخوف على بنات الناس أكثر من الحريق!
وبصراحة أتساءل: ماذا لو حصل هذا الحريق في مدرسة حكومية! هل ستتمتع المدرسة بحارس يفتح أبوابها أولى الدقائق كما حصل في "براعم الوطن" الأهلية أم سيقفل أبوابها حتى يأتيه أمر ويتم منع الطالبات من الخروج إلا بعباءاتهن كما حصل في مدرسة مكة المكرمة؟ تُرى ماذا ستكون النتيجة؟ هل ستكون مثل نتيجة الحريق الذي حصل بإحدى مدارس مكة المكرمة منذ عقد من الزمن وذهبت ضحيته 14 نفسا بريئة! أو ربما يحصل الحريق ومفاتيح أبواب المدرسة في جيب الحارس الذي قد لا يكون موجودا خلال فترة الدوام! بالله عليكم ماذا ستكون النتيجة! وكم سيكون عدد الضحايا؟ كيف لم تستفد وزارة التربية والتعليم من درس حريق "مدرسة مكة المكرمة للطالبات" منذ عشر سنوات! إلهي.. ما أشبه اليوم بالأمس!