لا شك أن الثقافات العربية متعددة، ومتنوعة، يظهر ذلك من دولة عربية لأخرى ومن قطر عربي لآخر، غير أن الذي لا يقبل الشك أيضاً هو أن هذه الثقافات المتعددة لها أصولها المشتركة، من الدين واللغة والتراث، وبعض المظاهر الاجتماعية والسياسية.. ولأن عالمنا العربي يزخر بالقضايا الشائكة والحساسة، ولأن هذا العصر هو عصر الإعلام وحده كان لزاماً أن تثار القضايا الكبرى التي يشترك فيها الإقليم الواحد أو تلك التي يئن منها الجسد الواحد من محيطه إلى خليجه.

لا أجد برنامجاً يستطيع إثارة تلك القضايا بتوازن وحياد مقبولين، ومهنية عالية، سوى برنامج "في العمق" الذي يقدمه الإعلامي علي الظفيري..

ما يميز هذا البرنامج هو تناوله القضايا بالغة الخطورة والحساسية، التي تتعلق بالسياسة أو التنمية والتعليم أو الأمن الإقليمي بحس مهني عال، يحترم عقل المشاهد، ويبتعد قدر الإمكان عن إثارة البلبلة والضجيج، واختيار الضيف المناسب، بالإضافة إلى جمع مقدم البرنامج وفريق عمله ما يستطيعون من معلومات ووثائق ومقابلات وإحصائيات حول موضوع الحلقة.

أمر آخر يضاف إلى شخصية البرنامج وأظنه أتى من شخصية المضيف؛ وهو أن الظفيري لا يحيد عن القضية أثناء الحوار مع الضيف، ولا يقاطع ضيفه كثيراً، يداخل في الوقت المناسب، ينصت بتركيز.. ثم يوجه أسئلته المباشرة.. لا يقحم نفسه في شخصية الضيف، وانتمائه الحزبي أو الفكري، ولا يحاول جره إلى حلبة الفوضى بغرض الإثارة، يجاهد في إقصاء رأيه وإن كان ذلك صعباً.. هو محاور وحسب، لا يتقمص شخصية المحقق الذي يحاول عنوة إحراج ضيفه وحشره في زوايا ضيقة.

"في العمق" يتناول القضية من كل جهة، عبر ضيوف يستطيعون الغوص في عمق القضية، كل منهم خبير فيما دعي إلى الحديث عنه.

فائدة البرنامج تكمن في إثارته، ولكنها إثارة للوعي، لأن البرنامج لا يخرج عن القضية كالبرامج الحوارية الأخرى.