اتخذت الحكومة اللبنانية بالأمس خطوة اعتبرت "فتحا" في عالم السياسة، نأت بنفسها عن كأس الاستقالة المرة التي هدد بها رئيسها نجيب ميقاتي، عندما وضع استقالته بمساواة تمويل المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة قتلة رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، قبل أقل من سبع سنوات.

الصيغة التي خرجت بها الحكومة التي لم تنعقد وأسندت التفكير عنها لعدد من الشخصيات الرسمية والحزبية؛ هي التمويل عبر الهيئة العليا للإغاثة التي تعنى بمعالجة الأزمات الناتجة عن الزلازل والفيضانات والحروب، والاهتمام بالنازحين.

لماذا التعمية والتحايل على المواطنين قبل التحايل على الدستور والقانون؟ فالمحكمة الدولية كيان وافق عليه لبنان، ومولها لسنوات سابقة، وهو أمر ارتضاه اللبنانيون بكل أطيافهم ومشاربهم، واعتبروها كاشفة للحقيقة، قبل أن يعتبرها طرف لأسبابه الخاصة تنفذ أجندة خارجية، ومنحازة سياسياً.

وإذا كانت كل الدروب في العالم تؤدي إلى الطاحون، فإن الدروب في لبنان تؤدي إلى جيوب الفقراء الذين سيقتطع التمويل من لقمة عيشهم ليس إلا، على اعتبار أن هيئة الإغاثة التي كانت معنية بقضايا المعوزين ممن أصابتهم النكبات الطبيعية، أصبحت معنية بالقضايا العالمية، وستصبح في مرحلة من المراحل إحدى هيئات الأمم المتحدة!

نأت الحكومة اللبنانية بنفسها بالأمس، وستواصل عملها كحكومة كاملة الأوصاف، وليست حكومة تصريف أعمال كما كان يشتهي البعض، ولكن لفترة قصيرة جدا، لأن هذه الحكومة تحمل في طياتها أسباب تفجرها، بعد أن ابتعدت عن مصالح شعبها مسافات تقاس بالسنوات الضوئية.