الحقوق المدنية (نقلاً عن موسوعة المعرفة) "مصطلح يعني مجموعة الحريات والحقوق الشخصية التي يتمتع بها الفرد بصفته مواطنًا في مجتمع أو ولاية أو دولة. وتشمل هذه الحقوق حرية التعبير وحرية الصحافة وحرية التملك. وتؤكد هذه الحقوق في نصها على حق الفرد في التساوي مع الآخرين، سواء أكانوا أشخاصًا، أو مجموعات، خاصة أمام الحكومة. يسبغ القانون والعرف حماية للحقوق المدنية. وتشتمل الدساتير على وثائق تختص بحقوق المواطنين المدنية التي تبين الحريات الأساسية والحقوق. وتفصل المحاكم حدود الحقوق المدنية، لكيلا يتعدى الأفراد على حريات الآخرين. وتزعم الحكومات المستبدة عادة أنها تحترم هذه الحقوق، ولكن هناك فجوة بين القول والفعل في هذا الصدد.
وإذ تسود عدة ضوابط للحقوق المدنية في النظم الديموقراطية، والنظم المتحضرة؛ (فقد يحرم الفرد من إبداء رأيه إذا كان مثل هذا الفعل يؤدي إلى تقويض الحياة الاجتماعية. كما لا يمكن السماح بالحقوق المدنية لتبرير عمل يمكن أن يلحق الضرر بالصحة العامة، أو يهدد الأمن والرفاهية والأخلاق في المجتمع. ولا يمكن السماح باستخدام هذه الحقوق لانتهاك حقوق الآخرين. فحرية التعبير، على سبيل المثال، لا يمكن أن تعني حق التشهير بالآخرين)".
ونحن المسلمون كفل لنا الإسلام في تعاليمه وتشريعاته كل تلك الحقوق المدنية والطبيعية وأكثر. والأمثلة والشواهد تكاد لا تُحصى من عمق القرآن الكريم وأنفاس السنة وروائع السيرة النبوية. فقد حفظت على مر تاريخها الذي يمتد لأكثر من 1400 سنة كرامة الإنسان بالكامل ودون أية نقص حتى ولو مثقال ذرة. فعلى سبيل المثال؛ أكد الله تعالى في كتابه الكريم على الكثير من الحدود التي تكفل للإنسان كرامته وحقوقه على كل المستويات. ورسمت في مخرجاتها كتشريع طرق المعاملة والتعامل والأفعال والإعلان والإضمار وآدابها جميعاً، ليتم بها الدين. ومن السنة والسيرة النبوية ستجد حتماً الإبداع الإنساني الذي تقف أمامه بكل جوارحك معجباً. وستقف عند بوابة فقهه خاشعاً. وعن ذلك قال العالم الفرنسي (دافيد دي سانتيلانا): "إن في الفقه الإسلامي ما يكفي المسلمين تشريعهم المدني، إن لم نقل إن فيه ما يكفي للإنسانية كلها".
لكن البعض قد يغفل (بقصد أحياناً) عن التواصل مع النصوص التشريعية، فيستنطقها بطريقة لا تُعبر عن مضمونها العظيم، محاولاً لي أعناق النصوص أو تقطيعها لتتوافق مع ما يوافق الرغبات الشخصية، فيخرجها جهلاً منه أو مكابرة إلى عالمه الشخصي وتعجبه حين ذاك، ظاناً أنه قد تواصل بالشكل العميق المطلوب مع جمالية مفهومها وأهدافها، وهو ما ينعكس فيما بعد على حزمة سلوكياته وتطبيقاته الحياتية اليومية، وذلك مأزق بعض المتعالمين أو المتثاقفين، أو من ابتليت بهم المجتمعات الإنسانية من المتسلقين بالأحرى. هنا تظهر أصالة الثقافة الشخصية ومعدنها ونسبة وعيها بالمطروح والمُتناول، لذلك نرى الحاكم أو ولي الأمر الذي يُقيم حدود الله في مجتمعاتنا الإسلامية يقف على تطبيق تلك الحدود التي تحفظ الحقوق المدنية للجميع، وتصونه من العبث، مانعاً من يحاول تجاوزها، وينهر ويعاقب من يحاول التذاكي على مضمونها ليمرر بخبث خيباته وأخطاءه التي تصادر حقوق الآخر أو تمتهن إنسانيته أو عرضه أو أخلاقه. في الواقع مثل هذه المحاولات البائسة لا تحظى إلا بمقت وازدراء تجتمع على نبذه البشرية، وترفضه الأخلاقيات الإنسانية صراحة. والمؤسف حقاً مؤخراً، هو ظهور فكر إعلامي مشوش ومتعال، يحاول بعض (الإعلاميين الفهلويين) من خلاله إفهام المتلقى أن المغالطات حقائق تتجاوز الفهم لواقع الحال، وهذا في حد ذاته تعبير عن ذوات مريضة لا يُنتظر منها أداء واجبها الأخلاقي لتحقيق الارتقاء الطبيعي لبناء مجتمعات واعية، وعليها أن تظل مُحيدةً كأمثلة لا يجب أن تكون في أماكن القيادة، لأنها ترى العمل الإعلامي من منظور أضيق من سم الخياط، وتعتقد بحماقة أن العبث والفبركة (خبطة صحفية) إصلاحية، بل ويراهنون بغرور على إمكانية تمريرها حتى وهم يقذفون الأعراض ويقتلون الأخلاق من خلالها بما لا يُقره دينٌ أو تشريع وبطريقة لا تُعبر عن فهم حقيقي لمعنى التعايش الاجتماعي الإنساني السوي، أو إلمام بطُرق المساعدة على تقديم العلاج لمشكلة ما. ولم تشهد الصحافة على مر تاريخها (فهلوة إعلامية) كتلك التي تتلاعب بالألفاظ في تفسيرها للنصوص، في محاولة للقفز على قوانين الحقوق المدنية. وهي محاولة يائسة دون شك لتبرير ضعف مهنية كادرها وأخطائه الفادحة على ما يبدو، وكسرها لبعض نواميس الحقوق المدنية هو مؤشر على ضعف الرقابة الذاتية قبل الرقابة المهنية. وحين تنحرف آلة إعلامية كبرى عن الأهداف النبيلة التي من أجلها وجدت، تكون المعضلة خطيرة. وحينما تتخلف عن أداء واجباتها الأدبية والأخلاقية، فإن ذلك يستوجب تدخلاً سريعاً لتسوية وتقويم الخلل الذي يعتريها، حتى لا تتحول إلى صحافة (باباراتزي) أو صحافة صفراء فضائحية تلفيقية ليس أكثر، من شأنها إشاعة الفوضى وضعضعة تماسك مجتمع بأكمله طالما عُرف عنه التأكيد على ثوابت القيم والأخلاق والدين أولاً.