قرأت أن حمامة نزلت بفسطاط خيمة عمرو بن العاص في فتح مصر، فاتخذت من أعلاه عُشَّاً، وحين أراد عمرو الرحيل رآها، فلم يشأ أن يهيجها بتقويضه، فتركه وتكاثر العمران من حوله، فكانت مدينة "الفسطاط".. وفي الحديث النبوي يقول عليه أفضل الصلاة والسلام: "والذي نفسي بيدهِ، لا يَضَعُ الله رحمته إلا على رحيم". قالوا: يا رسول الله، كلنا يرحم. قال: "ليس بِرَحْمَة أحدكم صَاحِبَهُ؛ يرحم النَّاسَ كافة".

تخيلوا معي: رجلا ـ وغيره كثيرون في هذه البلاد المباركة ـ قدم إلينا قبل خمسين سنة.. أي قبل ولادة نصف القراء هذه اللحظة.. عاش بيننا وتزوج وكبر أولاده وتوطدت علاقته بالمجتمع، وأفنى زهرة عمره في بناء بلادنا.. حتى لم يعد له بلد غير هذه البلاد يأوي إليها.. فجأة يصاب هذا الرجل بعدما وصل إلى هذه السن المتقدمة بالفشل الكلوي.. لا يستطيع المغادرة، فلا بلد يعرفه غير هذا البلد.. يتوجه للمستشفى فيطلبون منه مبلغ 450 ريالا مقابل كل جلسة غسيل.. أي: 1350 ريالا في الأسبوع.. أي: 5400 ريال في الشهر الواحد.. كيف هي ردة فعله؟! من الوافد المسكين الذي يستطيع أن يتحمل هذه المصاريف؟ وفي حال لم يستطع أن يتحملها ما الحل؟ ـ هل نتركه يموت على الرصيف؟!

كنت في نقاش ودي مع الأخ القدير صالح التويجري ـ مدير التعليم السابق في القصيم ـ حول هذا الموضوع، كشف لي عن جهود كثيرة يبذلونها لإنقاذ هؤلاء المرضى، وبحثهم الدائم عن متبرعين يتحملون نفقاتهم؛ فالأمر فوق طاقة الناس..

السؤال الآن: هل وزارة الصحة بحاجة لهذه المبالغ التي تقتطعها من هؤلاء المساكين؟ ـ أنا لا أتحدث عن جميع الأمراض.. أنا أتحدث عن عدد محدود من مرضى الفشل الكلوي والقلب تحديدا؟

يا وزارة الصحة: رحمة الله وسعت كل شيء.. ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.