تفاعلت الحكومة السورية مع أحداث درعا الدامية بإصدار حزمة قرارات، إلا أن ذلك لم يجد صدى لدى المعارضة التي رفضتها على الفور. وأصدر الرئيس السوري بشار الأسد أمس أمرا بإخلاء سبيل جميع الموقوفين على خلفية الأحداث، وذكر التلفزيون السوري أنه "تم إخلاء سبيل جميع الموقوفين". ويأتي هذا القرار بعد أن أعلنت بثينة شعبان المستشارة السياسية والإعلامية للرئيس السوري عن اتخاذ عدة "قرارات هامة تلبي طموحات جماهيرها" بعد أسبوع من اندلاع موجة احتجاجات لا سابق لها في البلاد.

وتضاربت الأنباء الواردة من درعا حول عدد الضحايا الذين سقطوا أمس خلال تشييع طاقم طبي, ففي حين تحدث ناشطون حقوقيون وشهود عيان عن سقوط 100 شخص، قال آخرون ناشطون: إن حصيلة الضحايا تجاوزت 150 قتيلا. والتزم الجانب الرسمي الصمت، فيما بقي الوضع على الأرض على حاله من قطع الاتصالات ومحاصرة المدينة، وملاحظة أن السمة الأبرز للوضع هناك هي سيادة فقدان الثقة بين المواطنين والجهات الرسمية.




وسط تضارب الأنباء القادمة من مدينة درعا (جنوب سورية) سادت روايتان، الأولى تصدر لها الناشطون الحقوقيون وشهود العيان الذين تحدثوا عن مقتل حوالي 100 شخص أمس أثناء تشييع الطاقم الطبي الذي سقط فجر أول من أمس, في حين لزم الجانب الرسمي الصمت واستبعد المقربون منه هذا الرقم و شككوا به. ويبقى الوضع على الأرض مستمرا بقطع الاتصالات الهاتفية الأرضية و الخليوية و محاصرة المدينة, حيث لا يوجد داخلون أو خارجون منها , مع ملاحظة أن السمة الأبرز للوضع هناك هي سيادة فقدان الثقة بين المواطنين و الجهات الرسمية حتى الآن.

وقطعت المستشارة الإعلامية والسياسية في رئاسة الجمهورية السورية الدكتورة بثينة شعبان الصمت السوري في مؤتمر صحفي عقدته مساء أمس وأوردت قرارات أصدرتها قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي أبرزها: تشكيل لجنة مهمتها الاتصال بالمواطنين بأهالي درعا لمعالجة آثار الأحداث الأخيرة، وزيادة رواتب العاملين في الدولة، وإيجاد التأمين الصحي اللازم، وزيادة فرص العمل، وتقييم الأداء الحكومي واتخاذ القرارات بصورة عاجلة.

أما على الصعيد السياسي فأوردت شعبان قرارات البعث بوضع آليات فعالة وجديدة لمحاربة الفساد، ودراسة إنهاء العمل بقانون الطوارئ، ووضع قانون للأحزاب، ووضع قانون للإعلام، وتعزيز سلطة القضاء ومنع التوقيف العشوائي. وأعلنت شعبان أن تنفيذ هذه القرارات سيكون فوريا.

وكانت شعبان قد عقدت مؤتمرا صحفيا أمس نفت فيه وجود أية جثة في مستشفى درعا، إلا أن ناشطا حقوقيا فضل عدم الكشف عن اسمه قال إنه "قتل تسعة أشخاص إثر اقتحام مسجد العمري في درعا من قبل قوات الأمن فجر أول من أمس، بينهم امراتان وطبيب بالإضافة إلى عنصرين من قوى الأمن".

وأضاف في وقت لاحق أمس "لقد قتل 6 أشخاص بعد إطلاق قوات الأمن السورية النار على معزين أثناء عودتهم من تشييع ابتسام مسالمة (30 عاما) والطبيب علي غضاب المحاميد". و أشار إلى أن "من بين القتلى طفلة في الحادية عشرة أصيبت برصاصة طائشة".

وفي بيان للجنة السورية لحقوق الإنسان قالت فيه أمس إن" ارتفاع أعداد ضحايا درعا بصورة مروعة". و قالت إن " الأنباء الواردة من درعا ذكرت أن عدد الذين سقطوا ضحايا إطلاق الرصاص الحي من قبل عناصر السلطات السورية على المواطنين المتظاهرين في المدينة ومحيطها والمعتصمين في المسجد العمري يتزايد بشكل مروع".

ودانت" اللجنة السورية لحقوق الإنسان بأقوى التعابير استخدام الرصاص الحي ضد المتظاهرين والمعتصمين المسالمين، وقتل أعداد كبيرة منهم" واعتبرت " هذا التصرف خارج إطار القانون السوري والمعاهدات الأممية، ولا بد تجاه هذه المعلومات المروعة من مناشدة المجتمع الدولي للتدخل وحماية المدنيين ومعاقبة المتورطين في هذه المجازر.. آمرين ومنفذين".

و في خطوة لافتة, و لكنها تدل على تخبط الإعلام السوري الرسمي في بعض تغطيات هذه الأحداث قامت وزارة الإعلام السورية أمس بمنع توزيع صحيفة الوطن التي يملكها ابن خال الرئيس الأسد (رامي مخلوف) في جميع المحافظات السورية دون تقديم أي تفسيرات، حيث اقتصر توزيع عدد الأمس بتاريخ 24 مارس 2011 على أصحاب الاشتراكات، فيما تم منع توزيعها في الأسواق. ولم تقدم وزارة الإعلام أي تصريح رسمي لتوضيح أسباب الحجب، وأكدت مصادر من داخل الصحيفة أن السبب هو مقال بعنوان "كل ما ينشره الإعلام السوري كذب بكذب".

وبالرغم مما يوحي به هذا العنوان، إلا أن موضوع المقال يقصد "السخرية" من الفضائيات العربية التي أصدرت حكمها وقرارها بأن كل ما تنشره وسائل الإعلام السورية الخاصة والرسمية هو كذب بكذب.

وكان أهالي درعا قاموا بحرق القصر العدلي في درعا ومقرين لشركتي هاتف نقال إضافة إلى سيارات بعد يومين من مواجهات مع قوات الأمن, في حين استخدمت قوات الأمن القنابل المسيلة للدموع والرصاص لتفريق التظاهرات، واعتقلت عددا من المشاركين فيها، وفق ناشطين حقوقيين.

وتظاهر حوالي 100 سوري أمام القنصلية السورية في دبي أمس، مطالبين بإسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد ومرددين هتافات مناهضة لحزب الله اللبناني وإيران. وردد المتظاهرون هتافات مناهضة للنظام السوري بينها "بشار برا برا، سورية حرة حرة" و"ما في خوف ما في خوف، بعد اليوم ما في خوف".

وهتف المحتجون أيضا "خائن من يقتل شعبه" و"لا لإيران، لا لحزب الله"، متهمين النظام السوري باستخدام عناصر من حزب الله "لقتل السوريين في درعا".

إلى ذلك حثت فرنسا وبريطانيا سورية أمس على فتح حوار وإجراء تغيير ديموقراطي واحترام حق الشعب في الاحتجاج. وقال وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه للصحفيين "نحث سورية على الاستماع إلى صوت الحوار والديموقراطية". وأضاف "يجري تغيير كبير. استهدفت سياسة فرنسا تجاه العرب لفترة طويلة الاستقرار. اليوم السياسة تجاه العرب هي الاستماع لطموحات الشعب وهذا ينطبق على سورية التي يجب أن تقبل هذه الحركة المنتشرة على نطاق واسع".

وقال وزير الخارجية البريطاني وليام هيج "ندعو الحكومة السورية لاحترام حق شعبها في الاحتجاج السلمي واتخاذ إجراء حيال شكاواه المشروعة."

وأضاف في كلمة أمام البرلمان "ندعو أيضا كل الأطراف بما فيها قوات الأمن السورية للتحلي بأكبر درجات ضبط النفس خلال الاحتجاجات التي تمت الدعوة للقيام بها غدا في سورية."