استأذنت مسؤولا في إحدى الوزارات الخدمية لزيارته للتأكد من بعض المعلومات التي أرغب في طرحها في هذه المقالة، ورحب بي فزرته الأسبوع الماضي وبينما أنا جالس في مكتبه كان هناك حوار يدور بينه وبين رئيس قسم إحدى الإدارات التابعة له، ففهمت مما دار بينهما أنه لا يمكن تنفيذ أحد المشاريع بالشكل المفترض لأن الاعتمادات المالية المخصصة لقطاع معين في تلك الوزارة انخفضت إلى النصف بسبب عدم صرف كامل المبلغ المخصص لنفس القطاع في ميزانية العام الماضي وعليه قامت وزارة المالية بخفض الاعتمادات لهذا القطاع بحجة عدم الحاجة لها.
حينما سمعت هذا الحديث ضحكت فالتفت إلي المسؤول متسائلا عما دفعني للضحك فقلت له: لأنني جئت إليك لأتأكد من هذه المعلومة وإذا بي أسمعكما تناقشان نفس الموضوع قبل أن أطرح سؤالي عليك فهي مصادفة غريبة ولكنها جميلة، وعندها واصلت حديثي قائلا: جئت لأتأكد ما إذا كان صحيحا أن معظم قطاعات الدولة تصرف عشرات ومئات الملايين من المبالغ المعتمدة لها في الميزانية كيفما اتفق وتبذرها بشكل مزعج، إذ تقوم باستصدار فواتير بأي شكل لتثبت أنها صرفت تلك المبالغ أو أنها تقيم مشاريع لا حاجة لها لكي لا تواجه ما تعانون منه أنتم الآن؟.
حينها أوضح لي كيف أن نظام وزارة المالية يساعدهم بل يحرضهم ويشجعهم على الكذب والتحايل واستخدام سبل غير سليمة ليتمكنوا من أداء عملهم في أدنى مستوياته وليس في أحسن مستوياته، وأنه فيما لو لم يتمكنوا من صرف تلك المبالغ لأسباب وجيهة كضيق الوقت أو عدم اكتمال الدراسات أو لعدم وجود الجهة المؤهلة لتنفيذ هذا المشروع أو ذاك، فإن وزارة المالية لا تتفهم ذلك ولا يوجد نظام يسمح بإفهامها ذلك إنما الحل هو تقليص الاعتمادات في السنة الجديدة، وعليه باتت كل الجهات حريصة على صرف المبالغ كيفما اتفق خوفا من تقليص الاعتمادات القادمة لها وأدى ذلك إلى تنفيذ مشاريع بجودة متدنية، وفي أحيان أخرى اللجوء إلى نقل الاعتمادات المالية من بند إلى بند آخر بهدف التخلص منها، بل ربما- ولن أضع في ذمتى - استصدار فواتير شكلية لإثبات الصرف وليس بالضرورة بهدف سرقة هذه الأموال، ولكن قد تعطى فعليا لجهة ما مقابل استلام فواتير منها تثبت إنجاز المشروع فيكون المستفيد أخذ حقا ليس له ولكن النظام يدفع في هذا الاتجاه حتى لا تقلص الاعتمادات في السنوات المقبلة، وإذا كان النزهاء يشكون من هذه الآلية أفلا يمكن للفاسدين وضعاف النفوس أن يستغلوها؟
ويقترح هذا المسؤول ألا تلزم (المالية) قطاعات الدولة بصرف اعتماداتها المالية في سنة واحدة لأن الوقت لا يكفي لذلك، فما بين الإعلان عن المشروع وفتح المظاريف وترسية المشروع وموافقة وزارة المالية تمضي أربعة إلى ستة أشهر، وبالتالي تستعجل هذه القطاعات تنفيذ المشاريع في المدة المتبقية من السنة لتصرف المبالغ المعتمدة لها وهذا حتما يأتي على حساب الجودة ومن ثم تأتي الأعمال في معظمها (سلق بيض) فالمهم صرف تلك المبالغ حتى لا تنقص الاعتمادات في السنة القادمة، فضلا عن أن ملايين الريالات صرفت في غير محلها أو تم التخلص منها بشكل غريب لنفس السبب، و(للحديث بقية).