المشروع الوطني "حافز" الذي تحول إلى ملحمة عظيمة لا يعلم المناضلون من أجلها هل يحاربون من أجل حياتهم أم أنهم يحاربون طواحين الهواء.

إن هذه الملحمة لهي مثال صارخ على أن الخير حين يكون بيد البشر فإنهم يظنون به على غيرهم، عوضا عما يتبعونه من مَنٍّ وأَذى، وإن كانت ليست مما يحسب صدقات، فهي حق من الحقوق، أصبح القائمون عليها ممن ينطبق عليهم قوله تعالى "ويمنعون الماعون".

نحن اليوم أمام ضحايا "حافز" الذين ليسوا إلا من أولئك الذين تحسبهم أغنياء من التعفف، قد ضاقت بهم الأرض والسبل وخاضوا معركتهم مع الحياة بصبر، ليس لديهم ما ينازلون به كل بيروقراطية النظام الذي استحوذ على "حافز"، ونزل بهم إلى ميدان الحياة لينازلهم بكل ما أوتي من بنود، وإسقاطات، ومساومات.. ليقتل بها بقايا الأمل الذي علق عليه ضحايا هذه الملحمة الكبرى الكثير من آمالهم.

فمن تدريبهم، ثم تهديدهم بإعادة الإعانة الحافزة، ثم تحليفهم أغلظ الأيمان أنهم لم يمسوا مالا من قبل ومن بعد.. ثم دفعهم إلى اليأس والتوقف عن مجرد التفكير في هذا "الحافز" الذي أصبح لقمة مسمومة.

صابر، حابس، زاحف، هي مسميات أطلقها الناس أو متتبعو حياة البطالة والعاطلين على هذا المشروع الذي تحول لى محنة عظيمة سيخلدها التاريخ، بعد أن حولتها البيروقراطية إلى ملحمة فريدة من نوعها، ملحمة كبرى تنتصر فيها لبلادة الأنظمة على حساب الإنسان، متجاهلة أن الفقر ليس مذمة ولكنه يصبح كذلك إذا كان غير مبرر أو منطقي، وأن البطالة ليست تهمة ولكنها تصبح جناية إذا لم تعالج بحكمة.

الحقيقة التي نراها اليوم هي أنه تم تجفيف هذه البذرة الخيرة التي كادت أن تثمر، وتحويلها لمذلة غير إنسانية، فلم يعد "حافز" مشروعا وطنيا بقدر ما أصبح قتلا وطنيا بامتياز، بعد أن قتلت بيروقراطية القائمين على هذا المشروع حلم العاطلين في مبلغ مالي يعلمون كم هو بسيط ومتواضع ولا يفي بأقل متطلبات الحياة البسيطة، إذ بالكاد لا يوفر لعاطل عن العمل ثمن هاتف نقال عوضا عن فاتورته. ويعلمون أن غلاء المتطلبات الحياتية فاق بكثير حجم المكتسبات، وحين يجد الإنسان نفسه عالقا في مثل هذه الحياة ماذا يمكن له أن يُحدث من تغيير في حياته.. ليس أمامه إلا طريقان والثاني يصعب التنبؤ به.

إن هذه البيروقراطية التعسفية ضد تسهيل مشروع حافز هي مخالفة صريحة للأمر الملكي ونتمنى أن تتم مُساءلتهم على طريقة "لماذا كل هذا"؟