"عم حسن" كما يناديه محبوه من أبناء المدينة المنورة، أو الشاعر والجوهرجي حسن مصطفى صيرفي ـ رحمه الله ـ كما يعرفه التاريخ منذ ركض شغفا في الساحة العتيقة كصبي إلى الكتّاب وحلقات العلم في المسجد النبوي الشريف، مازلتُ أتذكر حين تحدثتُ معه قبل وفاته بعام، كي أنبش في أسرار التاريخ وذاكرته التسعينية لكتابة قصته العجيبة، في مقال نُشر بـ "مجلة الإعلام والاتصال"عام 1428هـ، أتذكر روحه المتواضعة ونبرة صوته التي أشعرتني بحبه للحياة، الحبّ الذي يُعلمنا كيف نعطي لا كيف نأخذ، رغم وقوفه حينها على عتبات سنوات ما قبل المائة إذ وُلد عام 1336هـ، فسرد لي قصصه وكأنها حكايات ألف ليلة وليلة، التي تكاسل تاريخنا حكايتها لنا، باستثناء اجتهاد فردي قام به الزميل العزيز محمد الدبيسي في كتابه "حكاية حسن صيرفي".
لقد أدركتْ طفولة عم حسن بدايات توحيد الدولة السعودية، هكذا يمتد عمره ليشهد ميلاد الدولة الحديثة، واستطاع بما في قلبه من عطاء تحقيق بصمة الريادة، فمن يصدق، وهو الذي ولد بملعقة من ذهب كون أبيه جوهرجيا، أن ذلك لا يلهيه عن بناء الإنسان، إذ من صندوق الأسطوانات الموسيقية الذي أهداه والده إياه ليتسلى به حين كان في الرابعة إبان مرض أصابه، عرف قيمة الموسيقى فغذى بألحانه وقصائده الإذاعة السعودية أول أيامها، ومن "كورة" صغيرة يلعب بها اشتراها والده بستة ريالات إلى قيامه بتكوين أول فريق رياضي بالمدينة المنورة هو نادي أحد اليوم، ومن المسرح اليدوي الصغير الذي شاهده بباب العنبرية إلى مشاريع مسرحية يكتبها ويمثلها ويتقاسمها مع صديقه الراحل أحمد السباعي، ببساطة استطاع تحقيق ذلك كله من بيته في المدينة المنورة.
وربما كثيرون يعرفون أن" لا .. لا يا الخيزرانة" التي غناها كل من: ابتسام لطفي وطلال مداح ومحمد عبده وسميرة توفيق وغيرهم، وأيضا أغنية "سافروا ما ودعوني" التي شدا بها ابن المدينة المنورة عبدالعزيز شحاتة ثم ابتسام لطفي وغيرهما، وهي أغنيات حجازية قد باتت أكثر شهرة اليوم من صاحب كلماتها "عم حسن" الذي تناقله الحفاظ له شفهيا حتى سقط اسمه سهوا من التاريخ "الكسول" ونسبها بعضهم للفلكلور الحجازي، وهو من أخبرني بذلك بنفسه، حين قصّ علي قصصه ومنها قصة قصيدته "سافروا ما ودعوني"، وأتذكر ما قاله لي ـ رحمه الله ـ "الشاعر الذي لا يحب منافق". هكذا صاغ من روحه قصائد غنائية عاطفية ووطنية، وبألحانه وعزفه على العود استطاع أن يبذر الفن في أرض قاحلة، إذ كان من أوائل المشجعين على بث الإذاعة السعودية، وقد اتفق مع الراحل عباس غزاوي المسؤول الأول عنها في بدايتها آنذاك على أن يمدهم "عم حسن" بألحان وكلمات حجازية تستطيع أن تمثل هويتنا الوطنية بدلا من بث أغان عربية فقط، ولتفعيل الخطوة بجدية ـ كما أخبرني ـ رحب باستضافة فرقة الإذاعة الموسيقية بكاملها في بيته بالمدينة المنورة، ولمدة تقارب عشرين يوما، اشتغل معهم على عدد من الأغنيات السعودية، وقال لي: "خرجوا من بيتي ومعهم 32 لحنا كانت من أوائل ما تم بثه في الإذاعة السعودية".
هناك الكثير من الحكايات عن عم حسن، لكن المساحة توقفني، لأترك لكم رابط أغنيته الشهيرة بصوت أسطورة الغناء السعودي ابتسام لطفي "سافروا ما ودعوني" .
http://www.youtube.com/watch?v=r4TLKZPKDIg