يقول الفيلسوف الصيني كنفوشيوس: الحياة سهلة ونصر على تعقيدها.. وفي هذا السياق يقول سقراط.. ليس المهم أن نعيش بل أن نعيش بشكل صحيح.. ويقول الشاعر والفيلسوف هنري ثوريو "ليس المهم هو ما تنظر إليه بل ما تراه.. ويقول ستيفين كوفي صاحب كتاب العادات السبع "مفتاح النجاح ليس في تصنيف الأولويات في جدولك بل في جدولة الأولويات"، وأقوال الحكماء والقياديين الناجحين كثيرة في هذا السياق وتُوِجَ هذا المفهوم بكتاب جديد نشرته دار "سنبل تروثز" لمؤلفه ديفيد زيرفوس عنوانه: "ضغوط الحياة خيار" والكتاب كما يقولون واضح من عنوانه ومعنى ذلك أننا بأنفسنا مع سبق الإصرار نختار ضغوط الحياة التي نتعرض لها.. وفي مقدمة الكتاب يقول المؤلف إن الحياة عبارة عن سلسلة من الخيارات وواحد من هذه الخيارات هو حياة بدون ضغوط.. ولأننا مشغولون بالشغل الذي نقوم به أصبح من السهل علينا ألا نرى سوى القائمة الطويلة من الأعمال التي نقوم بها بما تحمله إلينا من ضغوط في الوقت الذي يبدو أن أفضل إنجاز هو ذلك الذي يأتي من فكرة بسيطة تنفذ بشكل بسيط وهادئ.. ويتحقق ذلك بالحد من سرعتنا لنتمكن من رؤية الأشياء بشكل صحيح بين الكم الحياتي الهائل المتراكم والمتداخل أمامنا. فتداخل الأمور وكثرة الأعمال وسرعة الخطو تجعلنا نرى الأمور بشكل مختلف.

ويقدم المؤلف عشر قواعد للمساعدة في التخلص من الضغوط والتمتع بحياة عملية سهلة:

الأولى: تعرف على برعم النجاح:

القاعدة الأولى مكتوبة بشكل استعاري.. البرعم هنا يعني أن نتعرف في الصورة الكبيرة التي أمامنا على برعم صغير موجود في ثنايا تلك الصورة الكبيرة وبين مكوناتها وهو الذي يشكل قاعدة وأساس النجاح.. لكن حجم الصورة الكبيرة ومكوناتها الكثيرة يحجب عنا رؤية شيء صغير في ثناياها تماماً مثل برعم الشجرة الذي يشكل أساسها وقوامها وثمرها اليانع وظلها الوارف.. وهذا ما يجب التعرف والتركيز عليه وتنميته للوصول إلى النجاح الذي ننشده.. في معظم الأوقات يكمن النجاح في أمور لا نراها.. ولهذا يتطلب الأمر أن نتوقف ونبتعد عن جدول أعمالنا اليومي المليء بالأعمال والارتباطات التي لا تجعل هناك فراغاً في الذهن للتفكير في شيء آخر. هذا الابتعاد سيحقق لنا رؤية شيء لا نراه.. شيء نفتقده وعندما نراه ونتعرف عليه سيضمن لنا الاستمرار في النشاط والحيوية والرضا.

المهم هنا ليس في مدى انشغالنا.. ولكن المهم هو مدى انشغالنا في ماذا. ويقول المؤلف أن معظم المستشارين يخطئون عندما يقترحون تحسين ما هو موجود.. أو تصحيح الخطأ في المسار الحالي بدلاً من قدرتهم على رؤية ما ليس موجودا.

فالمهم ليس الذي تنظر إليه لكن ما الذي يمكن أن تراه. وهنا يسأل: ما هو الشيء الذي تفتقده؟ وهل تصرف الكثير من الوقت على أشياء ليست في الحقيقة مهمة؟ وما هو الشيء (البرعم) الذي تريد أن تركز عليه والذي يكمن فيه النجاح؟ وكيف تهيئ ظروف رؤيته؟

القاعدة الثانية: توقيت الأولويات: من الطبيعي أن تزدحم جداول أعمالنا اليومية بالكثير من الأعمال.. ويمكننا كما يقول المؤلف أن نقوم بأعمال لكننا لا نستطيع القيام بكل الأعمال في وقت واحد ولهذا لا بد من وجود ترتيب لما نقوم به يكون ثقافة نؤمن بها وتشكل واحدة من أهم القناعات لدينا. هذا بالتأكيد سيجعل حياتنا سهلة.. ويجعل ما نقوم به سهلاً ونستطيع أن نتخلص من الحياة العملية المرتبكة والمربكة.

القاعدة الثالثة: قلل من الأرقام: النجاح في الحياة يتم عندما تقنع المرء أن كل ما يريده هو فعلاً كل ما يحتاجه.. إذا نظرنا حولنا تجدنا محاطين بجبال من الأمور والأشياء والناس والأعمال.. السؤال هل تحقق لنا كل هذه الأمور ما ننشده من سعادة ومتعة أم أنها تحجب أعيننا عن الأمور الحقيقية التي يجب أن نراها؟ تقليل تعقيد الحياة يتم عندما نقصي أشياء لا تحتاجها حياتنا ليتم بعد ذلك تقليل الجهد والمعاناة والفوضى التي تعترض حياتنا من جراء تصادم وتراكم جداولنا بأعمال لا قيمة لها..

القاعدة الرابعة: تقدم إلى الأمام عن طريق العودة للخلف:

يقول وينستون تشرشل: بقدر ما تنظر إلى الخلف بقدر ما تستطيع أن ترى أمامك. هذه عبارة فلسفية عميقة ربما ظاهرها يستفز البعض من القراء. لأننا تعلمنا ونعلم أبناءنا ألا ينظروا إلى الخلف وأن يركزوا على ما هو أمامهم.. هذا صحيح.. لكن المقصود هنا أن نتعلم من الماضي لنستمتع بالنجاح في الحاضر في طريقنا إلى المستقبل.. ويؤكد المؤلف على أن الفاشلين هم من يعيشون ويقبعون في الماضي ولا يتحركون منه. ويعيد إلى الأذهان المقولة الشهيرة التي تصنف الناس إلى ثلاثة أصناف: صنف يسمحون للمستقبل بالحدوث، وصنف يحدثونه، وصنف ثالث يستغربون حدوثه. ويخلص المؤلف إلى أننا يجب أن نفهم الحياة (بالنظر إلى الماضي) لكننا يجب أن نحياها (بالنظر إلى المستقبل).

القاعدة الخامسة دع الماضي وراءك:

وقد تبدو هذه القاعدة متعارضة مع سابقتها.

والمعنى هنا هو أننا بدون وعي نحمل الماضي بما يحمله أحياناً من فكر متحجر في كل مكان نذهب إليه، ونجلبه في نقاشاتنا ويتضح في مواقفنا ويشكل قراراتنا وممارساتنا، لكنه بالمقابل يعيق مسيرتنا إلى المستقبل وإلى الهدف الذي نود الوصول إليه إذا أصبحنا أسيرين له. ويؤكد المؤلف أننا إذا واصلنا ذلك نفقد المستقبل. بعضنا يرى فيه دفئا وراحة لكنه كما يقول المؤلف مثل كرسي قديم مترهل وسهل أو حذاء قديم مريح الملبس، لكن الماشي لا يتنفس ولا يتحدث ولا يفكر ولا يعمل.

ولهذا، للذهاب إلى المستقبل وإلى الحياة السهلة لا بد من تنظيف عقولنا من تأثير الماضي. خذ مثالا؛ من يتعرضون لزواج فاشل.. ستجدهم متأكدين أنهم بسبب ذلك الفشل يعيشون حياة مرتبكة إلى الآن.. بسبب سيطرة تجربة الماضي على أذهانهم. لدى كل منا قوة الخيار.. بناء المستقبل الشخصي وذلك بالبدء بصفحة بيضاء.. وذلك عندما نختار وضع الماضي خلفنا والبدء بحياة مليئة بالإمكانيات الجديدة. ونكمل بقية القواعد في المقال القادم إن شاء الله.