كثير منا معجبون بالنموذج السياسي التركي، أولاً: لأنه قدّم للعالم صورة معتدلة للإسلام، بخلاف النماذج الأخرى، والتي كان أقساها النموذج الطالباني. ثانياً: أن النظام التركي قد نجح اقتصادياً بشكل حوّل معه المجتمع التركي من مجتمع يعتمد على تحويلات عمالته في أوروبا، إلى مصنّع للكثير من احتياجات أوروبا، والعالم، وبذلك أصبح الاقتصاد رقم (16) بين اقتصادات العالم. واسترعى انتباهي مؤخراً تساؤل الأتراك: من هو الرجل المريض؟ ويقصدون بذلك التهكم على ما كان يطلق على تركيا خلال العقد الثامن عشر، من قبل أوروبا، واليوم تركيا بألف خير، وأوروبا التي أطلقت تلك التسمية، تعاني على كل المستويات الاقتصادية.

مرّة أخرى نحن معجبون بالنموذج التركي، ولكن البعض من الحركات الإسلامية، وأولها حزب التحرير الإسلامي، يطالبون بضرورة إعادة دولة الخلافة الإسلامية مرة أخرى، مثلما كانت عليه خلال فترة الخلافة العثمانية.

وهنا لا بد أن أذكّر بما حدث تاريخياً، وهو ما يؤدي إلى رفض نموذج الخلافة الإسلامية، لأنها كانت فكرة ماتت تدريجياً، وليس هناك من عوامل نجاحها ما يمكن أن يدعم طرحها من جديد. واسمحوا لي أن أستخدم معلوماتي التاريخية لأنوّر القارئ حول موضوع الخلافة العثمانية التي يطالب البعض بإعادة إحيائها:

- بلغ عدد السلاطين العثمانيين (36) سلطاناً، حكموا لمدة ستمائة عام، وكل من أولئك السلاطين كانت أمه من السبايا الأوروبيين (خصوصاً البوسنة)، ومن ثم لم تكن لهم خؤولة، يضاف إلى ذلك أنه من مراحل مبكرة من تأسيس الدولة نجح السلطان محمد الثالث أن يستصدر فتوى من المفتي بأن احتمالية الخروج على السلطان تبرر أن يقوم السلطان بقتل جميع إخوانه، بمجرد وصوله إلى السلطة، وبذلك أصبح النظام بدون أفراد من العائلة الحاكمة، وأصبح السلطان يبيع المناصب إلى رجال الدولة، مقابل مبالغ محددة. وبذلك تفنن الولاة في تحصيل الضرائب من السكان، ليدفعوا للسلطان ما يخصه، ويستحوذون على الباقي، وهو ما أعطى الحكم التركي سمعة سيئة في الدول الإسلامية، التي كانت منضوية تحت الخلافة العثمانية. لاحقاً استبدل نظام قتل الإخوان، بنظام سجنهم طوال حياتهم، ولذلك حدث في القرن التاسع عشر، وعندما فشل السلاطين في تدبير احتياجات الجند، أن قـتلهم الجند، واستخدم الجند الأخ المسجون لتنصيبه سلطاناً، وهو غير مؤهل للحكم، لأنه قضى عشرات السنوات معزولاً، بل إن أعظم السلاطين العثمانيين، وهو سليمان القانوني، قتل اثنين من أولاده بيده، وذلك بتحريض من محظيته البوسنية روكسانا.

المحصلة الأخيرة لاستعراض تلك الفترة، هي إبراز مقولة إن خلاصنا هو بإعادة الخلافة الإسلامية، هو غير صحيح، وعندما يضرب المثل التركي العثماني كمثال، فكان لزاماً إيضاح ما حدث، لئلا نبقي على صورة وردية، غير حقيقية، لتلك الحقبة، ولكنني أفضل النموذج التركي الجديد، دون ارتباطه بماضي الخلافة العثمانية.