بعد عشرة أيام، يرحل عنا هذا العام، ونستقبل عاما ميلاديا جديدا، نتطلع بأمل ورجاء أن تبتعد فيه شعوب الأرض، عن لغة القوة والحرب، وتنبذ فيه الفتن والكراهية، ويسود السلام والتسامح والرخاء، وأن يشع نور العلم والمحبة ربوعنا العزيزة.

لقد واجهت شعوبنا العربية، بعدد من الأقطار، في هذا العام، الذي يوشك على الرحيل، عاما مختلفا، لم تشهد له مثيلا في تاريخها الحديث... عام امتزج فيه الشك والخوف بالأمل وعبور برزخ اليأس. وتداخلت الفوضى والحروب بمطالب واستحقاقات وتطلعات عربية مشروعة نحو التغيير.

حدثت زلازل سياسية كبرى وتغيرات في القيادات الحاكمة. وانتخبت مجالس نيابية جديدة، بالمغرب وتونس ومصر، عبرت عن صعود قوي للإسلام السياسي. ونجحت المبادرة الخليجية، بقيادة المملكة العربية السعودية، في التوصل إلى حل يضمن انتقالا سلميا للسلطة في اليمن الشقيق. وتوجت المبادرة بتوقيع مختلف الأطراف عليها، في الرياض، وتشكيل حكومة وحدة وطنية. وفي سورية، يتطلع الجميع أن تغلب لغة الحوار، بعد التوقيع على بروتوكول المراقبين العرب، وتكون لغة الحوار على قاعدة التسليم باحترام خيارات الشعب العربي السوري، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وانتخابات نيابية نزيهة، وصياغة هيكلية الدولة، والدستور، بما يحقق الأمن والاستقرار في هذا البلد العزيز.

في العراق، يستكمل الانسحاب العسكري الأميركي، مع نهاية العام. ونأمل أن يترك شأن العراق لشعبه، ليقرر دون تدخلات إقليمية ودولية شكل إدارته لشؤون بلاده.

في ليبيا، تشكلت حكومة انتقالية، مهمتها إدارة شؤون البلاد، لحين استكمال بناء هياكل الدولة الجديدة، وتحقيق الانتقال، إلى الديموقراطية، كما هو الهدف المعلن من إسقاط النظام السابق، واغتيال العقيد، بالطريقة التي شهدها العالم، عبر القنوات الفضائية.

أمور تبدو واعدة بمستقبل أفضل لأمتنا، لكنها جميعا مقدمات لجهاد أكبر، يمكن النجاح فيه، حين نسير على الجادة الصحيحة، وربما تنهار هذه الأحلام، كما انهارت غيرها، منذ أن بدأنا تلمس خطوات أقدامنا، إن لم نضع نصب أعيننا خيار العدل والحرية والكرامة.

لقد اندلع الحراك الملحمي في هذا العام بالبلدان العربية، من أجل مقابلة استحقاقات مشروعة مؤجلة للناس. وقد مكن الطابع العفوي لهذا الحراك، القوى السياسية الأكثر تنظيما وتماسكا من اقتناص اللحظة التاريخية، وقطف ثمار التضحيات الجسيمة التي بذلت. ذلك يفرض الحذر واليقظة، ومتابعة العمل لإنجاز التحول السياسي، والقضاء على الفساد، ومحاربة البطالة، وتنفيد خطط تنموية طموحة، تحقق نقلات اقتصادية كبرى في مجتمعاتنا العربية.

وفي كل الأحوال، نتطلع إلى ألا تكون هذه التحولات، على حساب المس بالهوية والثوابت الوطنية والقومية التي استمد منها الشعب العربي حضوره التاريخي، والتمسك بالحقوق، وفي مقدمتها عدم المساس بالانتماء العربي، والتأكيد على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم، وهزيمة المشروع الصهيوني، وتحقيق الاستقلال.

في البلدان التي أنجزت، كما في تونس والمغرب أو على طريق إنجاز انتخاباتها النيابية، كما في مصر، نتطلع بأمل ورجاء لتحقيق المصالحة الوطنية، وتجنب سياسات الإقصاء، وسيادة روح التسامح، والاعتراف بالحقوق الثقافية، للديانات والطوائف والأقليات القومية، التي تشكل النسيج الأصيل للكيانات العربية، كما في حالة الأقباط في مصر، والأمازيغ في بلدان المغرب العربي... وكما هو الحال في بلدان عربية أخرى.

في ليبيا واليمن، ينبغي أن يعمل المخلصون على بناء الدولة المدنية العصرية، التي تأخذ بالتدرج من حصة التشكيل القبلي، لصالح تغليب الهوية الوطنية الجامعة. إن ذلك وحده هو السبيل، للحد من غلبة الهويات الجزئية والقضاء على الوجاهات والمحسوبيات، وتجاوز الفئوية والمصالح الحزبية الضيقة، وإضعاف النزعات الانفصالية، وتحقيق الاندماج الوطني.

أما بلاد ما بين النهرين، فإنها ستكون أمام مرحلة جديدة، بعد انسحاب القوات الأميركية، تستدعي إعادة النظر في التشكيلات والترتيبات التي ارتبطت بالعملية السياسية التي نفذها السفير الأميركي، بول برايمرز، والمستندة على المحاصصات بين الإثنيات والطوائف. وفي هذا السياق، لا مناص من تعميم روح التسامح وتحقيق المصالحة الوطنية، والابتعاد عن لغة الاجتثاث والإقصاء.

ومن البديهي أن يكون للمقاومة الوطنية التي ناهضت مشروع الاحتلال الأميركي، حضور قوي في تقرير مستقبل العراق. وينبغي أن يعمل العرب جميعا على منع التدخلات الإقليمية في شؤونه الداخلية، وتأكيد الحضور التاريخي والقومي العربي للعراق، في ظل نظام يعتمد التعددية وتداول السلطة، والاعتراف بالآخر، وتحقيق المساواة والعدالة، بين أبناء الوطن الواحد، وقيام دولة القانون. وذلك هو السبيل للخروج من المأزق الراهن. تلك دعوات من القلب، نتطلع بأمل ورجاء إلى أن تأخذ مكانها على أرض الواقع، وأن نكون في عامنا القادم في حال أفضل، وذلك بالتأكيد رهن بتحول الحلم إلى إرادة.