أخاف من الصمت كما أخاف من الحديث؛ لكن صدقوني لو كان الحديث شخصياً لرأيتموني كالرصاص سرعةً أطالب بحقي أو حقوقي، وبين كل كلمة أو جملة عدة مرادفات هي حقي، وأين حقي، وأريد حقي. أقول هنا؛ دعونا من قضايا الكرة والفن جانباً وتوجهوا إلى أرواح وطنية تصعد فوق أعلام الوطن عالياً كضحايا لأخطاء طبية شوهت مستقبل الصحة في بلادنا الغالية.

أذكر عندما مرضت والدتي بل كادت تفارق الحياة من صرعات الألم.. وأنا من شهقات البكاء، فأنا أشاهد أمي تموت أمامي ولا مغيث إلا رب العبيد. عندها قررت أن أذهب بها إلى مستشفى خاص بجدة ليقرر لها عملية جراحية خطيرة تكللت بالنجاح ولكن بعد دفع كافة النفقات. ها أنا مواطن سعودي.. كادت والدتي تموت بين يدي في أكبر مستشفيات منطقتنا الغالية ولولا الله ثم أحوالنا المادية الميسورة لما كانت والدتي أحسن حالاً ممن نسمع عن قصصهم المحزنة في صحفنا المحلية. وأتساءل: أين التغيير؟ أين عقوبات الـفصل لمديري مـستشفيات جعلوا مكاتبهم معقمة كغرف العمليات؟ أين السؤال عن ميزانيات شركات الصيانة والتشغيل التي لم تحارب صراصير المستشفيات فضلاً عن الأعطال في التكييف في لهيب الصيف؟ أين الربيع أم متى سيحل على مستشفيات بلدنا الغالي؟ للأسف؛ لم تشاهد مستشفياتنا إلا ثلاثة فصول هي: الصيف بلهيبه الذي ألهب قضايا الأخطاء الطبية، والشتاء الذي جمد مشروع الحزام الصحي، والخريف الذي جعل أوراق المسؤولين تتساقط مثل أوراق الشجر. أين الربيع. يا وزارة الصيف والخريف والشتاء ..؟

لماذا لا نكون غيورين على دماء أبناء هذا الوطن كما فعلت إحدى كليات الطب في تايوان (في خطوة غير مسبوقة) خلال الفترة الأخيرة، حيث قامت بإعطاء طلابها وطالباتها الجدد دروسا عملية يجربون خلالها "الموت"!! تشتمل على جعل الطلبة الجدد يعايشون جميع المراحل المتعلقة بالموت؛ حيث يطلب من كل واحد منهم أن يكتب وصيته ثم يرتدي كفناً ويستلقي في تابوت (نعش) قبل أن يتم دفن التابوت تحت الأرض لبعض الوقت. ونقلت صحيفة تايوانية عن البروفيسور "كيو دانينغ" المشرف على تلك الدروس قوله: «لا تستمر فترة الدفن الرمزي أكثر من 10 دقائق، لكن تأثيرها يكون مساوياً تقريبا لتأثير الموت الفعلي»، مشيراً إلى أن الهدف من وراء هذه التجربة غير المسبوقة هو جعل أطباء المستقبل يدركون مدى قيمة الحياة عند تعاملهم مع مرضاهم.