منذ أن عملت بعد تخرجي، وعبر رحلة العمل الطويلة، وأنا أحاول إقناع زملاء العمل والمديرين بأنه لا حدود لتحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطن، بدءا بإنهاء المعاملة في غضون دقائق وانتهاء بتوصيلها لبيته، حيث نجعله كمن يطير فوق السحاب من جودة الخدمة، سواء كان العميل لقطاع حكومي أو خاص، سوءا كان مريضا أو مشتريا. وكلما كان تدليل المواطن هو مركز اهتمامنا عملنا بجد على أن نرقى بمستوى الخدمة وبالتالي بالمجتمع كلل، وينعكس هذا علينا بالرفاهية كمجتمع، لكن ما أصطدم به دائما، وأبدا مع الموظفين والمديرين، هو مقاومة هذا المفهوم وكأنه عملية معجزة، والقبول بأقل المستويات حتى وإن كانت الموارد تتدفق على هذه الخدمة دون حسيب. هذا السلوك برأيي له أسباب كثيرة، منها أن "العميل" وهو الإنسان ليس له حقوق حقيقية صلبة لا مساس لها، فهذه الحقوق تحتم مراعاته في كل كبيرة وصغيرة، وفي كل الأمور سواء توصيل الخدمة أو حتى رصف شارع.

وبالرغم من أن التطوير والتحسين هو قيمة بحد ذاته وبغض النظر عن مكتسباته، فالجمال والنظافة والترتيب والاحترافية كلها تستهدف لذاتها كقيمة جوهرية لا غنى في حياتنا عنها، لكن قليلا من يدرك هذا المفهوم، وذلك لأن معظمنا نشأ وتربى على الرداءة في كل ما يحيط بنا تقريبا، علاقتنا العائلية، تعليمنا، خدماتنا الصحية، شوارعنا، كلها تنضح بالرداءة.

ما يلفت نظري هو أن هذا التعجب والمقاومة لفكرة خدمة أو منتج بلا أخطاء أو عيوب تأتي من كل الأطياف، حتى من القلة القليلة التي استطاعت أن تعيش في دول أجنبية، لكنها بمجرد أن تتواجد داخل حدود الوطن تعود عبارات "لا يوجد شيء اسمه منتج بلا عيب أو خدمة دون أخطاء"، ولا يمكن تدليل العميل، لأنهم سيتحولون لاستغلاليين ولا تنتهي طلباتهم، والأهم من ذلك كله أن الخطأ في تقديم الخدمة هو أمر حتمي.

لكن الأمل أن هناك من يعمل ـ حقيقة ـ على زرع هذا المفهوم والترويج له لدينا، وصاحب هذه المحاولة الرائدة بلا منازع هو أحمد الشقيري، صاحب برنامج خواطر الذي يصور مستوى الخدمات في دول متقدمة ودول قريبة منا مثل دبي. فالبرغم من أن هذا البرنامج الرائع برأيي بكل المقاييس واجه سيلا من الانتقاد لأمور قد تكون حقيقية إلا أن الفكرة بحد ذاتها تستحق التكرار والاستمرار، حيث إن المشاهد لدينا بصفة عامة لم يستوعب الهدف الأساسي من البرنامج، فهو يتعجب، يعلق، يتحسر على وضعه، لكنه لا يفكر في تبني المفهوم أو تقليده على أرض الواقع.

في رأيي، جهود شخص مثل أحمد الشقيري يستحق عليها الشكر، وأتمنى حقيقة أن يواصل إنتاج هذه الحلقات ولو حتى بتكرار المواضيع، فنحن نريد لكل مسؤول وموظف وربة بيت أن يرى أن هناك أفضل مما تقوم به ومما لديك، وعليك أن تعمل بجد لتحسين مستوى حياتك، وأنه لا حدود للتطوير والتحسين، وأن الإنسان يمكن أن يعيش حياة مرفهة بكل تفاصيلها الدقيقة.