جميل أن تقوم هيئة مكافحة الفساد بحملة إعلامية لتعريف المواطنين بالدور المفترض أن يقوموا به للحد من هذا الفساد وحثهم على المبادرة في التبليغ عن أي حالات يقفون عليها، وبغض النظر عن مستوى الحملة وطريقة إعدادها والكيفية التي نفذت بها والتي لي ملاحظات عليها إلا أن الفكرة بحد ذاتها كما أسلفت ممتازة وفيها مؤشر على وجود توجه لمحاربة هذه الظاهرة كما أنه ومن خلال هذه الحملة عبر وسائل الإعلام نقرأ رسالة صريحة تعلن بخط كبير وأحمر أنه لم يعد هناك ما يمكن التحفظ عليه وإخفاؤه في هذا الجانب، وأنه بمثل ما أقدمنا على خطوات عديدة في جانب التغيير والإصلاح فإن الإقرار بوجود هذه العلة والعمل بشكل واضح على محاربتها خطوة جريئة ومتقدمة لإيجاد الحل فالكثير من الجهات تحاول إخفاء مكامن الخلل فيها بغض النظر عن حجمها ومستوى أثرها على المجتمع والوطن بل درجت مثل هذه الجهات عل التقليل من تداعيات تلك المشاكل وآثارها الموجعة سواء كانت صحية أم اجتماعية أم مالية ولهذا تظل المشكلة قائمة وتتعاظم والسبب أن هناك شخصا ما أو جهة ما تأخذها العزة بالإثم، لكن المبالغة في التحفظ والادعاء بالأفضلية وبعدم وجود الأخطاء يضع مثل هؤلاء في مثل هذه المواقف المكشوفة وغير المقبولة عند الدولة وعند المواطنين فالدولة في العموم تسعى للتعامل مع مشاكل الوطن والمواطنين بشفافية دون تهويل أو تهوين ولكن البعض ممن لم يستوعبوا هذا المنهج يظنون أن إخفاء بعض الحقائق المتعلقة بالجانب السلبي في قطاعاتهم هو من الحكمة بينما الواقع والتجربة تقول إن التأخير في الإعلان عن بعض المشاكل يساهم في استشرائها ومن ثم الصعوبة في حلها.
أعود لموضوع الحملة الإعلامية التي تنفذها هيئة مكافحة الفساد لتوعية المواطنين تجاه هذه الظاهرة وكيفية التعامل معها فأقول إن هناك خطا آخر ينبغي أن يكون موازيا لهذه الحملة وهو الأهم والأكثر نجاعة وهو البحث عن الأسباب التي تؤدي لوجود الفساد والتي تفسح للبعص استغلال بعض الثغرات للنفوذ من خلالها واستغلالها لتحقيق مصالح شخصية وهو ما يصنف عند تنفيذه بالفساد سواء كان فسادا ماليا أو إداريا.
ولعل من الأمور التي ينبغي الالتفات إليها تجاه تلك الثغرات هو تبنى الهيئة لحملة مع الجهات المعنية في الدولة لتغيير الكثير من الأنظمة وآليات العمل التي بسببها ظهر الفساد وخاصة قوانين وأنظمة ترسية المشاريع الحكومية التي يجمع تقريبا كل المتعاملين معها أو من وقفوا على تفاصيلها أنها باتت بحاجة إلى تعديل جذري لتغلق الباب على آكلي الأموال العامة ولتستحدث أنظمة تساير المرحلة والزمن الذي نعيشه بكل متغيراته وما استجد عليه وأن تستفيد من ملاحظات وأفكار كل من ينتقدون نظام المناقصات، ومن المؤكد أن هناك أنظمة وآليات عمل أخرى كثيرة بحاجة لإعادة النظر فيها للحد من هذا الفساد،لأنه حتما لا يمكن القضاء على الفساد من خلال التوعية فقط.