أعتقد أن الإنسان يجلس أحيانا في سيارته أكثر مما يجلس مع أطفاله بسبب الزحام في الشوارع!

هناك من أدركوا ذلك مبكرا.. ما زلت أتذكر صورة لسيارة أحد الأثرياء ـ توفاه الله ـ قام بفصل المقاعد الخلفية عن السائق بستارة متحركة، وحوّل الجزء الخلفي من سيارته لمكتب صغير جميل، يحتوي جهاز هاتف وكومبيوتر ومصباح قراءة، وغير ذلك من مستلزمات!

أدرك قيمة الوقت.. استثمر الوقت المهدر.. ابتكر طريقته الخاصة به.. واستطاع إنجاز الكثير من أعماله وهو في سيارته!

قبل سنوات فتح لي أحد المسؤولين الحكوميين باب سيارته الخلفي كي أشاهد أكوام المعاملات التي يأخذها معه من وإلى المكتب.. اعترف لي أنه كان ينجز الكثير من العمل وهو في السيارة..!

واليوم كذلك، ليس سرا يذاع، أن كثيرا من المسؤولين يقرؤون الصحف أثناء وجودهم في السيارة.. قبل وصولهم إلى مكاتبهم.

وحده المواطن الذي يقود سيارته بنفسه، لا يعرف كيف يتصرف داخل هذه الغرفة المتنقلة، سيما وهو من يقودها.. ويمضي فيها ما لا يقل عن ساعتين يوميا دون مبالغة!

الكثير من الناس اليوم يعمدون إما إلى الاستماع للإذاعة.. والإذاعة الحكومية والخاصة ليس على ما يرام، أو إلى استخدام هواتفهم.. حيث يجري المواطن السعودي أغلب اتصالاته في سيارته.. وكلما ازدادت الزحمة ازدادت أرباح شركات الاتصالات!

مؤكد أن هناك من يطرح السؤال هذه اللحظات.. والحقيقة ـ من واقع تجربة ـ يفترض بالإنسان أولا أن يدرك حجم الوقت الذي يضيع منه في السيارة.. ومن ثم يعمد إلى استغلال ما يعرف بالمكتبة الصوتية/ السمعية.. وقد تحدث عنها كثيرون، واستفاد منها كثيرون.. يصنع السائق خياراته بنفسه.. اليوم تستطيع أن تستمع لندوة كاملة أو أمسية شعرية وأنت في شارع العليا العام، أو طريق المدينة!