موت الزعيم الكوري الشمالي، كيم يونج إيل، يمكن اعتباره بصورة ما استمرارا للتغيرات التي اجتاحت عدة دول عربية وأطاحت بالعديد من الدكتاتوريين القدماء، مع فارق أن الزعيم الكوري الشمالي مات نتيجة أسباب طبيعية، وأن شعبه، بعكس الوضع في دول العالم العربي، حزن عليه حزنا شديدا.
الكوريون الشماليون نشؤوا على محبة مؤسس البلاد وبعده ابنه الذي توفي منذ فترة قريبة، وهم لا يعرفون الكثير عن العالم الخارجي. حياتهم اليومية تخضع لسيطرة كبيرة ومباشرة من النخبة المثقفة للسلطة، المصدر الوحيد للمعلومات الذي لديهم هو التلفزيون الرسمي الذي يخدم مصالح الحزب الحاكم. وقد مات ملايين الكوريين الشماليين بسبب مجاعات مر بها البلد الذي لا يهمه سوى امتلاك القدرات النووية، وهو الشيء الذي تحرص الدولة على الافتخار بامتلاكه وتستخدمه كورقة لتهديد العالم واضطهاد الشعب.
نجل "القائد المحبوب" الذي سيخلفه في قيادة كوريا الشمالية، كيم يونج-أون، لا يتجاوز عمره 27 سنة، وهو عمر صغير لزعيم يفترض أنه سيقود دولة شيوعية نووية، لكنه تحد مثير للاهتمام لنرى ماذا يستطيع هذا الشاب أن يقدمه لشعبه وللعالم. بعض الكوريين الشماليين الذين استطاعوا الهرب إلى كوريا الجنوبية عليهم أن يخضعوا لدورات تدريبية كي يتأقلموا مع الحياة مع باقي أنحاء العالم. هذه الدولة التي يبدو سكانها وكأنهم يعيشون في عالم آخر سيحكمها الآن كيم يونج-أون، الشاب الذي درس في سويسرا ويتحدث الإنجليزية والفرنسية بطلاقة. الفرصة التي أتيحت له كي يدرس في الغرب ليست متاحة لباقي المدنيين أو حتى لأبناء النخبة من القادة العسكريين.
كيم يونج-أون كان أحد أوفر الأطفال حظا في كوريا الشمالية. محظوظ لأنه درس في الخارج وتعلم معنى الديموقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني، وهو محظوظ أيضا لأنه أتيحت له فرصة قيادة هذا البلد وهو لم يتجاوز 27 سنة من العمر، ولكن هل تعليق الآمال على هذه القائد الشاب مجرد توقعات زائفة؟
إيران وكوريا الشمالية بلدان يصعب المقارنة بينهما بسبب البعد الجغرافي بين البلدين. الإيرانيون يعيشون ويفكرون بطريقة مختلفة ولم يسمحوا لحاكم مطلقا بأن يعاملهم بنفس الطريقة التي يعامل بها قادة كوريا الشمالية شعوبهم. ثم إن من المبكر الحكم على ما إذا كانت إيران ستصنع قنبلة نووية أم لا. لكن هناك تشابها واحدا بين البلدين: هاجس "القائد المحبوب".
بقدر ما هو ممنوع انتقاد أو حتى التفكير بانتقاد "القائد المحبوب" في كوريا الشمالية، كذلك يمنع انتقاد المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي، الذي يشير إليه بعض مؤيديه على أنه "القائد المحبوب." لكن القائد المحبوب في إيران ليس مجرد قائد، بل إنه يتمتع بمنصب ديني أيضا، الشيء الذي كان يفتقده الزعيم الكوري الشمالي. المواقف المعادية للغرب والاستعمار عامل مشترك بين البلدين. وسواء اتبع الزعيم الكوري الشمالي الشاب طريق والده أم إنه تصرف بشكل مختلف، فإن الحقيقة الهامة هي أن أحد أهم الدكتاتوريين في عصرنا هذا قد رحل. سواء كان الزعيم الشاب سيتصرف مثل والده أو أنه سيبدي تسامحا أكبر مع الغرب، فإن الحقيقة هي أن هناك وجها جديدا في السلطة الآن، وذلك سبب ينعش الأمل. كيم يونج-إيل مات لأسباب طبيعية ولم تتم إزاحته مثل حسني مبارك في مصر أو القذافي في ليبيا. العالم لا يستطيع أن يتدخل في كوريا الشمالية بسبب قدراتها النووية. إيران ليست دولة نووية، لكن الوضع هناك مختلف تماما أيضا. إيران بلد نفطي، ولذلك فإن أي مواجهة معها يمكن أن تؤدي لارتفاع أسعار النفط وتعرض شحن النفط عبر مضيق هرمز، الذي تسيطر عليه إيران، للخطر، وهذا سيؤثر سلبا على الاقتصاد العالمي. كما أن هناك سببا آخر وراء هذا، وهو أن إيران تستطيع أن تشن حربا بالوكالة ضد الجنود الأميركيين في أفغانستان. لم يعد الأمر مقلقا في العراق، لأن آخر وحدة عسكرية مقاتلة أميركية غادرت العراق، ويمكن الآن استخدام أفغانستان كساحة معركة بين إيران والولايات المتحدة.
بقي عامان تقريبا على رحيل القوات الأميركية من أفغانستان في 2014، يستطيع العالم خلالهما أن يتحمل إيران ويزيد من قسوة العقوبات، لكن العقوبات التي يفترض أنها وضعت للضغط على النظام لا تؤذي في الحقيقة سوى الناس العاديين في إيران، وهي لن تؤدي إلى إغضابهم وإثارتهم ضد حكامهم كما حدث في سورية. هناك فروق ثقافية كبيرة بين إيران وسورية وباقي الدول العربية، والناس يتصرفون عادة وفقا لثقافاتهم. الإيرانيون يحبون الحركات السلمية، لأن مستوى تعليمهم وثقافتهم الحضرية لا يسمح لهم باستخدام العنف وتعريض أبنائهم للخطر الكبير. لقد جربوا المياه في 2009 ولن يعودوا إلى السباحة في نفس الحوض مرة أخرى. "القائد المحبوب" في إيران، آية الله خامنئي، لديه مؤيدوه في الجيش الذي سيسحق أي انتفاضة كي يحمي المرشد الأعلى وإرث الجمهورية الإسلامية.
كوريا الشمالية أعدت نفسها لموت "القائد المحبوب" وتم تعيين ابنه الشاب كيم يونج أون ليحل مكانه، ولكن في إيران، بحسب الدستور، يجب اختيار المرشد الأعلى من قبل مجلس القيادة ولا أحد يستطيع أن يتأكد من الذي سيخلف آية الله خامنئي، إلا إذا أراد هو أو مؤيدوه تغيير الدستور قبل موته.
الانتخابات البرلمانية القادمة في إيران ستجري في شهر مارس، وهي في رأيي مهمة جدا، لأنها ستساهم في صياغة القيادة في فترة ما بعد خامنئي. القادة الإيرانيون وكبار السياسيين مشغولون بتشكيل كتل وترشيح مؤيديهم إلى البرلمان كي ينقذوا مصالحهم المستقبلية. فرض عقوبات على البنك المركزي والنفط الإيراني هو الخطوة التالية للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. هناك مجموعة داخل إيران تؤيد استخدام العنف ضد السفارة البريطانية في طهران ومجموعة تدين ذلك. هناك عدم وضوح بخصوص قمة هرم صناعة القرار مثل الرئيس، رئيس القضاء، رئيس البرلمان، والمرشد الأعلى نفسه. في 2012 سنرى تغيرات هامة في إيران أيضا. هذه التغيرات ضرورية جدا، وربما تكون أهم من أن نستفيق يوما لنسمع أن "القائد المحبوب" في إيران قد رحل.