قلنا في الملتقى الأول للمثقفين: إننا بحاجة إلى استراتيجية تشكل مرجعية تتحصن بها الثقافة، وتعالج مواطن الخلل من خلال منظور واضح يعي قدراتنا وآفاق تشكلنا، مع إدراك لدور هذه الأمة ورسالتها الريادية، مما يؤكد نسيجنا الثقافي ويعلي دور المثقفين في صياغة الوعي، وإشاعة روح التلاحم بين أبناء الوطن الواحد، في ظل الانهدامات المتوالية ومستجدات المرحلة والمسارات المتناقضة التي يضج بها فضاء العرب من حولنا.
إننا بحاجة إلى رؤية ثقافية ومفاهيم إجرائية تأخذنا نحو "مجتمع المعرفة" كما جاء في تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2003 والتي يقصد بها "ذلك المجتمع الذي يقوم أساساً على نشر المعرفة وإنتاجها وتوظيفها بكفاءة في جميع المجالات: الاقتصاد والمجتمع المدني والسياسة والحياة الخاصة، وصولاً لترقية الحالة الإنسانية باضطراد، والمعرفة منظومة من المكونات المتجاورة والمتناغمة، كالبيانات والمعلومات والأفكار أو مجمل البنى الرمزية التي يحملها الإنسان، أو يمتلكها المجتمع في سياق دلالي وتاريخي محدد وتوجه السلوك البشري، "وقد حاول الدكتور محمد الصفراني أن يوظف طروحاته في هذا المسلك آملاً أن تجد مساحة من الحوار البناء وسبيلا إلى أرض الواقع، حيث نحا باللائمة وأسباب فراغ المشهد الثقافي على غياب السياسة الثقافية والمؤسسات ذات الهيكل الإداري الواضح، والاستراتيجية الفاعلة والمؤثرة في بنية الوعي. حيث طالب بإنشاء مجلس أعلى يرسم السياسة الثقافية، مع إحداث وزارة مستقلة للبحث العلمي يتفرع عنها مراكز بحثية متخصصة، تعرف علمياً باسم "صهاريج الفكر" تضم نخبة من المثقفين والمفكرين والعلماء، وتعرف هذه النخبة باسم رأس المال المعرفي. كما طالب الصفراني بإلحاق الملحقيات الثقافية في السفارات السعودية بوزارة الثقافة، بدلاً من وزارة التعليم العالي، حتى تستطيع تلك الملحقيات القيام بدورها الثقافي والمساهمة الفاعلة في المحافل الثقافية. ويرى الصفراني ضرورة خصخصة قطاعي الإذاعة والتلفزيون وفصلهما عن وزارة الثقافة والإعلام، وإنشاء البنية التحتية للثقافة من حيث المقرات اللازمة للمكتبات والمتاحف الوطنية ودور العرض المسرحية والسينمائية، وتأسيس المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وإحداث الهيئة السعودية العامة للكتاب كمؤسسة ثقافية تهتم بالكتاب من أجل تقريب المسافة بين الكتاب والقارئ، وبين السعودية ودول العالم بما يقدم وجهنا الحقيقي ويعكس قيمتنا الدينية والتاريخية والسياسية والأدبية والاقتصادية، وتحويل الأندية الأدبية إلى مراكز ثقافية، وتكوين صندوق التنمية الثقافية، ومن أبرز مهامه: السعي إلى تقديم العون المالي للمثقفين في حال المرض أو العجز بما يكفل لهم حياة كريمة، مع توفير الدعم المالي غير المسترد للمشاريع البحثية التي يحتاج أصحابها إلى دعم. ترى ماذا تحقق من هذه الأمنيات؟