تعالوا معاً لنقرأ الرقم الخرافي المخيف في حجم إقراض الصناديق المختلفة وعلى رأسها صندوق التنمية الصناعية من المال العام وهو يصل إلى 460 مليارا حتى نهاية السنة المالية الأخيرة. تعالوا نقرأ أثر هذا الرقم على مسألتين: الأولى: مساهمة هذا الرقم في توطين الوظائف والأخرى في قدرته على إحداث توزيع عادل للتنمية. ولنبدأ من المسألة الأخيرة ثم نطلب من الجهات المختصة بفسح هذه القروض أن تعطينا خارطة وطنية ثم تنثر عليها خارطة توزيع هذه القروض الصناعية كي يدرك الجميع، لا مجرد الاختلال في عدالة التوزيع، بل ما هو أهم من ذلك، وهو الإعدام البيئي والديموغرافي الذي فرضه واقع هذه القروض على بعض المدن السعودية خلال مجرد عقدين من الزمن، ساهمت هذه القروض في تضاعف سكان ثلاث مدن بنسبة مئوية كاملة مثلما ساهمت هذه القروض في تجفيف مناطق أخرى من عمقها السكاني، حين عجزت بعض هذه المناطق عن تقديم الفرصة لأبنائها في وظيفة ولو نصف محترمة. قمة الإعدام البيئي أن تذهب أكثر من 95% من القروض الصناعية إلى ثلاث مدن، وأن تضم أربع مدن سعودية ثلاثة أرباع السعوديين وأن تحوي مجرد مدينتين سعوديتين ثلثي رقم العمالة الوافدة. وخذ بالمثال أن المدن المتناثرة على الطريق الدولي في الشمال وكذا على الخط الساحلي التهامي لم تستأثر بكسر عشري في خارطة هذه القروض. واليوم يبدو واضحاً أن ربط هذه القروض باتجاهات جهوية جديدة بات مطلباً وطنياً وبيئياً وتنموياً إذا ما أردنا لهذه القروض أن تتحول إلى قيمة تنموية. تعالوا معا لندخل إلى مسألة التوطين الفعلي للوظائف كي نكتشف عجز 460 مليارا من القروض أن تتحول إلى قيمة وظيفية. وبالإحصاء، فإن أقل من 5% من الوظائف التقنية في هذه المصانع التي قامت على القروض مشغولة بالسعوديين مثلما أن – السعودي – فيها مجرد حارس أمن على بوابات هذه المصانع. نحن مع هذه المليارات من قروض المال العام إلى الهيكل الصناعي الوطني مجرد مكان لهذه المصانع، مجرد أرضية على أطراف مدننا الكبيرة تستقطب ملايين الوافدين ومن المؤسف أن التوطين في كل مجالاته لم يصل بعد حتى إلى نسبة 15%. إنها مجرد قروض شخصية في جيوب أفراد تحت مسميات مهنية واحدة.