نسبة عالية من السّكان لا تملك سكنا خاصا بها، كما أن نسبة أخرى تسكن بيوتاً مرهونة للبنوك، وبأقساط شهرية ثقيلة على كاهلها! المفارقة هي أن هذا يحدث في بلد واسع والأراضي والإمكانيات متوفرة ولله الحمد.
السعودية والخليج عموما من أكثر بلدان العالم زيادة من حيث النمو السكاني، مما أنتج نسبة عالية جدا من الشباب في التعداد السكاني، وهذا سبب أساسي في ارتفاع نسبة السكان غير المالكين للعقار السكني. ولا شك أن هناك سببا آخر؛ وهو الارتفاع غير المبرَّر لأسعار الأراضي السكنية، خاصة في المدن الكبيرة. هذه المشكلة جعلت العديد من الباحثين والاقتصاديين يبحثون عن حلول لمعالجة الموضوع. وكان من بين تلك الحلول المطروحة للنقاش؛ هو فرض ضريبة على الأراضي الخام غير المستغلة، مما يجعل المالك يضطر للبيع، بالتالي؛ فإن المعروض سيزداد ويؤدي إلى نزول أسعار الأراضي الخام، وهذا يؤدي في النهاية إلى انخفاض التكلفة على المستفيد النهائي وهو المستهلك.
ولكن؛ هناك العديد من التساؤلات حول هذا الاقتراح، وما قد يؤدي إليه من عواقب. حيث في حال سنّ ضريبة على العقار الخام، وفي وقت يُعتبر ذروة الدورة الاقتصادية لقطاع العقار؛ فإن التوقيت قد يُفرز نتائج سلبية، وقد تعود أيضا على المستهلك البسيط بشكل سلبي! ثم إن أي نتيجة سلبية تحصل بعد أي إجراء نظامي؛ تجعل الجهة المسؤولة المتهم الأول في ذلك. ولذلك، فإن العقار بأسعاره الحالية يحتاج إلى تصحيح طبيعي لدورته الاقتصادية، وقد يتعرض إلى انخفاض تدريجي أو سريع في أي وقت ممكن، خاصة في حال بدء دخول مشروع الملك عبدالله للإسكان إلى السوق، مما سيحقق نسبة عالية جدا في العرض، وبالتالي النزول في الأسعار.
ولهذا؛ فإن البعض قد يرى أن توقيت فرض أي ضريبة أو تنظيم جوهري للعقار يجب أن يُدرس بشكل كافٍ؛ لئلا تكون له نتائج سلبية. فالأفضل ـ والله أعلم ـ التدخل والبدء في التنظيم في حال حصول نزول أو ركود عقاري ليكون ذلك التدخل محفّزا أيضا لعدم التدهور السلبي في السوق، وهذا السيناريو يعيد ما حصل عندما نزلت الأسهم بشكل كبير، مما أعطى المُنظم الوقت والجو المناسب لإعادة الهيكلة والتنظيم للسوق.
وعلى كل حال؛ فإن هناك العديد من النواحي حول هذا الموضوع، التي تحتاج إلى تنظيم وإعادة نظر، وربما يكون ذكرها هنا فيه فائدة، ولو كان بشكل أفكار مختصرة، منها:
طرح مشاريع (أو تنظيمات) للقطاع الخاص لبناء مساكن لمحدودي الدخل، وهذا موجود في العديد من الدول، مثل مشروع الاقتطاع من الضرائب من خلال المساكن التي تكون لمحدودي الدخل (The Low Income Housing Tax Credit (LIHTC، أو Housing Tax Credits، وهذه الفكرة جُعلت حافزا لتوفير مساكن معقولة الأسعار في أميركا، بشكل تكون في متناول اليد بالنسبة لمحدودي الدخل. وهناك العديد من الأفكار من هذا القبيل لا يتسع المقال للتفصيل فيها. وأعتقد أن هذا الأمر هو أكثر إلحاحا على طاولة وزارة الإسكان، حيث بنظري أن الأهم في لائحة مسؤوليات الوزارة هو التنظيم وإيجاد الحلول النظامية والتنفيذية لمشاكل وحاجة الإسكان، وليس مجرد بناء الوحدات (وإن كان جهدا تُشكر عليه الوزارة)، ففي حال طرح أراضٍ للمستثمرين لتطويرها ـ على سبيل المثال ـ ومن ثم بيعها بشكل ميسّر على المستهلكين، وتوفير ما يمكن توفيره من مساعدة سواء على شكل تخفيضات في الضرائب أو غيرها؛ فإن ذلك سيساعد على إيجاد مساكن رخيصة نوعا ما. كما أن وضع شروط ومعايير لنماذج معينة للمساكن (Standards)، مع حفظ حقوق المستهلك وتشديد المسؤولية على المطوّر، قد يُساهم أيضا في تخفيض التكلفة النهائية على المستهلك. كل هذا المقترح مبني على إيجاد آلية فعّالة للرقابة والمتابعة للمطوّرين، بشكل يحفظ حقوق جميع الأطراف، وليس من المناسب الآن الدخول في تفصيلات، نظرا لعدم اتساع المجال.
ومن الأفكار أيضا؛ استصدار نظام جديد لإيقاف حجج الاستحكام المبنية على مبدأ إحياء الأرض الموات، مما سيؤدي إلى التقليل من استمرار تداول الأراضي الخام بين التجار، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع الأسعار. حيث تغيرت الظروف والأحوال ولم يعد هناك حاجة حقيقية للإحياء بالصورة الموجودة حاليا، خصوصا مع النظر إلى ما أفرز من نتائج سلبية على أرض الواقع، وهذا بالتأكيد بعد حصول موافقة من هيئة كبار العلماء على صيغة مناسبة لهذا النظام.
ومن الأفكار أيضا؛ وضع تنظيم للمساكن الكبيرة (العمائر) التي تحتوي على شقق لملاك متعددين، الأمر الذي قد يشجع الأفراد على تملّك هذا النوع الأرخص من المساكن، خاصة في حال إيجاد تنظيم وآلية جيدة للحفاظ على مصالح ساكني هذه الشقق، مثل ما يتعلق باستخدام المياه والمواقف والعلاقة بين السكان وغير ذلك.
آمل أن تكون هناك حلول جذرية عاجلة لهذه المشكلة التي تُقلق الكثير من المواطنين، خاصة مع ارتفاع أسعار البيع والإيجار أيضا، ومع ارتفاع التكلفة المعيشية عموما، وبإذن الله سوف نرى خطوات كبيرة في هذا المجال خصوصا بعد تدخل خادم الحرمين الشريفين مشكورا بالأمر ببناء الآلاف من الوحدات السكنية.