في يوم السبت 14 يناير 2012، احتفلت تونس بالذكرى الأولى لنجاح الثورة، وهي ذكرى مغادرة الرئيس زين العابدين بن علي البلاد بعد 23 عاماً في كرسي الرئاسة.
وكما نذكر، أشعلت احتجاجات تونس التي بدأت في شهر ديسمبر 2010، شرارة ما أصبح لاحقاً يُعرف بـ"الربيع العربي"، حين انتشرت الاحتجاجات الشعبية في شرق العالم العربي وغربه، وتجاوزته إلى بقية العالم في أوروبا وأميركا وغيرهما.
وتأكيداً لهذا الدور الرائد لتونس، وجّه بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، رسالة إلى الشعب التونسي بمناسبة ذكرى نجاح الثورة قال فيها "إن تصميم التونسيين ألهم شعوب العالم كي تطالب بالديموقراطية، والحرية، والكرامة".
وأقامت تونس احتفالات رسمية ضخمة يوم السبت، ترأسها رئيس الجمهورية الجديد منصف المرزوقي، ورئيس الوزراء حمادي الجبالي، ورئيس الجمعية التأسيسية مصطفى بن جعفر، وشارك فيها قادة وممثلون من عدد من الدول، مؤكدين جميعاً الدور الريادي لتونس في الربيع العربي. وبلا شك فإن التعايش السلمي المتحضر بين التوجهات السياسية المختلفة، الذي ظهر بادياً في صورة انسجام الرؤساء الثلاثة، وهم ينتمون لتوجهات سياسية مختلفة كل الاختلاف، تشكل إسهاماً حضارياً جديداً لتونس في العالم العربي تثبت فيها إيمانها بالتعددية السياسية بعد عقود من الحكم الفردي.
ومن منظور اليوم، يمكن القول إنه ربما كان ممكناً منذ عام مضى اعتبار ثورة تونس نموذجاً للثورات الأخرى في العالم العربي. ولكن بعد مرور أكثر من عام على الثورة، هل هناك ما يبرر ذلك اليوم؟ ألا تبدو ثورة تونس هي الاستثناء لا النموذج؟ فهذه الثورة التي كانت في مجملها ثورة سلمية، لا نجد مثيلاً لها بين الثورات العربية سواء في ليبيا أو مصر أو اليمن أو سورية، وهي ثورات تميزت باستخدام العنف على نطاق واسع، وإن اختلف نمط ومقدار العنف من دولة إلى أخرى. وبالمثل فإن الانتقال السلس للسلطة الذي تم في تونس لم يتحقق حتى الآن في الدول الأخرى، التي ما زالت في مراحل انتقالية، باستثناء سورية التي لم تصل فيها الثورة إلى هذه المرحلة بعد.
فربما إذن كانت ثورة تونس ملهمة لبدء حركات الاحتجاج، كما قال الأمين العام للأمم المتحدة، ولكنها لم تستمر كنموذج لها، مع الأسف.
ومع النجاح الظاهر للثورة التونسية، وهو ما أُبرز في احتفالات يوم السبت بالعيد الأول لنجاحها، فإن من السابق لأوانه الاكتفاء بهذا القدر من النجاح، خاصة أن ثمة مؤشرات بأن الثورة، وإن أفلحت في تغيير وجه السلطة وتفكيك الحزب الحاكم، لم تتمكن حتى الآن من تحقيق التطلعات الطموحة للمواطن التونسي في المجال الاقتصادي ولا التوقعات العالية التي كانت معلقة عليها منذ عام مضى. ومن الواضح أن بعض المواطنين لا يستطيعون الانتظار، ففي الأسبوع الماضي أضرم المواطن عمار غرس الله النار في جسده، وهو مواطن من مدينة قفصة عاطل عن العمل، في الأربعين من عمره وأب لثلاثة أطفال، انتحر فيما يبدو بعد أن تقطعت به الأسباب وفقد الأمل في تحسن أحواله المعيشية.
ووفاة غرس الله الأسبوع الماضي تذكرنا بنهاية مشابهة لمحمد بوعزيزي في ديسمبر 2010، حين أشعلت وفاته فتيل الثورة، كما تُذكّرنا بأن ثالوث البطالة والفقر والإحباط لا يمكن القضاء عليه خلال عام، ولكن الانتخابات الأخيرة والوعود غير الواقعية التي قطعها بعض المرشحين قد رفعت سقف التوقعات وبالتالي كان الإحباط من عدم تحقيقها أشد قسوة.
فعلى الرغم من النجاح السياسي الظاهر، فإن الأوضاع الاقتصادية تبدو وقد ازدادت سوءاً في تونس، وهو ما تعيه الحكومة الحالية على الأرجح، حيث قَدرت خسارةَ الاقتصاد التونسي خلال العام الماضي بأكثر من (1.5) مليار دولار. وهذا أمر متوقع، لأن الثورة أدت إلى شل الحركة الاقتصادية جزئياً، وتردَّد أصحاب الأعمال في ضخ مزيد من الاستثمار، وجفل المستثمرون الأجانب وغادروا تونس بالعشرات. ونتيجة لذلك فقد انخفض معدل النمو الاقتصادي إلى الصفر في عام 2011. أما البطالة، وهي الشرارة التي أشعلت نار الثورة، فقد ارتفع معدلها بنسبة 40% تقريباً.
وبدون تعزيز الاستقرار واستعادة ثقة المستثمرين، تونسيين وأجانب، فإن النمو الاقتصادي قد يكون محدوداً، ومن الصعب أن نرى كيف سيتمكن الاقتصاد التونسي من إيجاد (100,000) وظيفة خلال عام 2012، حسب الخطة التي أعلنتها الحكومة التونسية، ما لم يتم تحقيق معدلات نمو عالية خلال هذا العام.
ولهذا، وفي خضمّ احتفالات تونس بنجاح الثورة، فإن من المؤكد أن قادتها الجدد يدركون أن النجاح السياسي، الذي تمثل في إنجاز استحقاق الانتخابات، ووضع الأسس الضرورية لحكم ديموقراطي، يمكن أن يُنسى بسهولة، فيما لم تتحسن الظروف الاقتصادية للمواطن العادي، بشكل ملموس وسريع.