في كل مرة يقترب فيها موسم الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية، يقوم المتنافسون البارزون برفع حرارة الجدل حول موضوع إيران. إيران بلد يكتسب أهمية من ثرواته من النفط والغاز ومن موقعه الجغرافي الإستراتيجي الذي يجعل إيران أحد أهم دول العالم بسبب إطلالته على مضيق هرمز وقربه من باقي منابع النفط في الشرق الأوسط التي يعتمد عليها العالم. ولولا هذه العوامل لما اهتم أحد بإيران ولا بالحديث عن هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه حوالي 70 مليون نسمة.

قبل الثورة الإسلامية في عام 1979، ورغم العلاقات المتميزة التي كانت تربط إيران مع الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة الأميركية، كانت هناك بعض القضايا التي عكرت صفو تلك العلاقات أحيانا. كان الرؤساء الأميركيون أحيانا يتحدثون عن قضايا تخص حقوق الإنسان في إيران وكان شاه إيران يتحدث عن حاجة الدول الغربية للنفط والغاز الإيراني.

وإذا تركنا ثروات إيران الطبيعية جانبا، هناك في الطرف الآخر موقع البلد الإستراتيجي. فعلى حدوده الشمالية تقع روسيا وبحر قزوين، ومن الجنوب يطل على مضيق هرمز، وربما يستحسن أن نسميه مضيق النفط، والذي من خلاله تحاول إيران دائما أن تمارس ضغوطا من خلال التهديد بإغلاقه ووقف تدفق النفط، الأمر الذي يهدد بالطبع الاقتصاد العالمي بالكامل. هناك 17 مليون برميل من النفط تقريبا تعبر مضيق هرمز كل يوم، وهذا يشكل حوالي 40% من إنتاج النفط العالمي، الذي تبلغ حصة إيران منه 2.5 مليون برميل يوميا.

ممارسات بعض الحكومات الإيرانية غير المتوقعة، مثل اقتحام السفارة الأميركية في مرحلة ما بعد الثورة، يمكن أن تعني من الطرف الآخر بذل يد المساعدة في الحرب على الإرهاب. مفاجأة تلو المفاجأة، إلى أن جاء الرئيس محمود أحمدي نجاد إلى الحكم. حينها انتقل البلد من مرحلة الإصلاح إلى الراديكالية والسياسة المعادية للغرب مرة أخرى. الرئيس جورج بوش الابن وضع إيران ضمن "محور الشر" الذي كان يضم في حينه كوريا الشمالية والعراق في فترة حكم صدام حسين. وكان المرشحون للرئاسة في الولايات المتحدة يتخذون مواقف متضاربة ومتناقضة أحيانا تجاه بعض القضايا، ومن بينها إيران. على سبيل المثال، في حين أعلن المرشح الجمهوري جون ماكين أنه سيقصف إيران في حال فوزه، قال منافسه الديموقراطي وقتها باراك أوباما إنه سيعمل على جلب إيران إلى طاولة المفاوضات.

من الطبيعي أن قضايا كثيرة كانت تستخدم لشرح السياسة الأميركية تجاه إيران من قبل مرشحي الرئاسة الأميركيين للناخبين الأميركيين. وبغض النظر عن جميع القضايا التي أشرت إليها آنفا فإن القضية الأساسية المطروحة اليوم هي خطر حصول إيران على السلاح النووي، وهو ما سيتم إدراجه ضمن الحملة الانتخابية الرئاسية القادمة في الولايات المتحدة، لكن ما يثير الاهتمام هنا ليس فقط الانتخابات الأميركية، ولكن نظام الانتخابات الإيرانية الذي يعمد إلى استخدام جميع الفضائح العالمية والمواقف العدائية من الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة، للفوز بالأصوات.

في ظاهرة جديدة، اعتمد قادة الجمهورية الإسلامية أسلوبا جديدا لحشد الناس لما يعتبره بعض المراقبين أهم الانتخابات الإيرانية حتى الآن. فبعد 33 عاما من الثورة، تعتبر الانتخابات البرلمانية في شهر مارس القادم مهمة جدا لأسباب كثيرة. أولا، هذه الانتخابات البرلمانية هي أول انتخابات تجري بعد الانتخابات الرئاسية سيئة السمعة في صيف 2009 التي أحبطت الكثيرين من الناخبين، ويمكن لجموع الشعب أن يستخدموها كاستعراض قوي أمام كاميرات تلفزيون السلطة. ثانيا، هذه الانتخابات مهمة لأن مستقبل الجمهورية الإسلامية ربما يتشكل على يد أعضاء البرلمان الجديد المنتخب. المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي الذي يتقدم في السن أعلن عن استعداده لتغيير الدستور لإلغاء دور الرئيس وتقليص مشاركة الناس في العملية الانتخابية. مثل هذا الحلم الكبير يحتاج للدعم، وآية الله خامنئي بحاجة لإرسال مؤيديه إلى البرلمان لتحقيق هذا الحلم.

وكما يفعل المرشحون الرئاسيون في الولايات المتحدة بمهاجمة إيران في النقاشات العلنية لكسب تأييد حزبهم، يستخدم المرشحون الإيرانيون للبرلمان الآن الهجوم على الولايات المتحدة للفت انتباه ناخبيهم. مناورتان عسكريتان في الخليج، إحداهما قام بها الجيش والثانية قام بها الحرس الثوري، ويستخدمهما النظام كأدوات لبعث القلق في نفوس الإيرانيين العاديين. الحديث عن قدرة إيران على إغلاق مضيق هرمز واستعداد القوى الجوية لهزيمة العدو واستهداف أي هدف في منطقة الخليج نوع من الدعاية لجعل الناس يصدقون أن التصعيد بين إيران والولايات المتحدة قوي وأن الخطر حقيقي.

التهديد بإغلاق مضيق هرمز ردا على حظر محتمل على النفط الإيراني هو إعلان حرب، ليس فقط على الغرب، ولكن على الدول المجاورة أيضا. يقول بعض المراقبين إننا يجب ألا نأخذ مثل هذه التهديدات على محمل الجد، لأن التهديد ليس إلا دعاية انتخابية في حقيقة الأمر، لكن الحرب الكلامية بين الولايات المتحدة وإيران قد تخرج عن حدود السيطرة وتصبح أكثر خطورة، وقد تتحول إلى أفعال إذا نفذ الاتحاد الأوروبي تهديده ونفذ الحظر على النفط الإيراني في نهاية يناير. فماذا يمكن أن يحدث عند ذلك؟ مع إقرار العقوبات على البنك المركزي الإيراني والمصادقة عليها من قبل الرئيس باراك أوباما، فقدت العملة الإيرانية الكثير من قيمتها أمام الدولار الأميركي الذي وصل سعره إلى مستويات قياسية في تاريخ إيران الحديث. العقوبات على البنك المركزي تعني أن زبائن النفط الإيراني لا يستطيعون دفع قيمته إلى البنك المركزي وتقلص الاحتياطي الذي يملكه البنك من الدولار مما يضغط على الاقتصاد الإيراني بشكل كبير.

إن ما يعاني الآن من الاختناق ليس مضيق هرمز، لكنه الاقتصاد الإيراني الذي يعاني إلى حد كبير. هل يستطيعون أن يستمروا في هذه الحرب الكلامية حتى الانتخابات الإيرانية في مارس القادم، وربما حتى نهاية الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة؟ سنرى ذلك.