من أكثر المفردات طغيانا على المشهد الثقافي هذه الأيام ومنذ أشهر خلت هي مفردتا انتخابات، ولائحة، وبعيدا عما تحمله كلاهما من حمولات إلا أنهما تبقيان الدلالتين المسيطرتين على القاموس اللفظي في التعاطي مع الأحداث في الأندية الأدبية، وفي وزارة الثقافة قبلها، حيث وجدنا تباينا في فهم وممارسة كل منهما على أرض الواقع، إذ دخل المثقف والمبدع في دوامة من الجدل حيال المضامين المكونة لهما خاصة في ظل حداثة التجربة، وضعف الخبرة.

صحيح أن الوزارة عملت على عقد لقاءات عدة من أجل التحضير لإعداد اللوائح، والتمهيد لإجراء الانتخابات، فكانت الاجتماعات المتوالية التي عمدت إلى بناء معمار اللائحة، ثم مناقشة البنود، فتشكيل فرق العمل، ومنها اللجنة الخماسية من رؤساء بعض الأندية الأدبية على سبيل المثال، إلا أن ذلك كله لم يشفع لوجود صيغة جامعة مانعة تضع حدا عمليا يمكن من خلاله توصيف الأديب الذي من حقه خوض الفعل الانتخابي، والدخول في الإطار الرسمي للجمعيات العمومية، ومن ثمَّ الترشح إلى مجالس الإدارة.

من هنا حفل المشهد بمجرد نزول اللائحة إلى ميدان الحقيقة بمزايدات، واعتراضات، وطعون بعضها نحا منحى شخصيا غير مبرر، بل إن بعضها يسقط على المجالس الجديدة أنها ليست كفؤة لقيادة دفة الثقافة والإبداع في المرحلة المقبلة في نبوءة ميتافيزيقية غير موضوعية، إلى غير ذلك مما سمعناه من تهم عديدة تتعلق بالنزاهة، وعدم المصداقية، والفوضى، والمحسوبيات الأمر الذي يحتم علينا التفكير بجدية في طريقة تعاطينا مع مفردات التحضر، ليس على صعيد الانتخابات فحسب، وإنما في اتجاهات عدة مما وجدناه معكرا لمياه العمل.

المسرحيون كذلك وجهوا نقدا إلى اللائحة المنظمة لجمعيتهم، واتهموها بأنها نسخة مستوردة، وأن ثغرات تكتنفها، وأن على الوزارة أو جمعية المسرحيين إعادة صياغتها وتعديلها، على الرغم من أن بنودها تليت على أعضاء الجمعية، وروجعت، وعدل ـ فورا ـ ما اتفق الجميع على تعديله آنذاك.

لسنا ضد المراجعة والتقويم، ولا حق الممارسة الانتخابية، غير أن مجرد فكرة المشاركة في صياغة لائحة انتخابية ناهيك عن ممارسة الانتخابات لم تكن مطروحة في الفكر الإداري بعامة، وهذه فرصة متاحة لأن نعطي البذرة "الحضارية" فرصتها للنماء والتشكل، وألا نستعجل جني الثمار فيما لا تزال التربة طرية والساق غضة، حتى إن بعضنا بدأ في قطف براعمها، ومحاولة اجتثاث الجذور لو وجد إلى ذلك سبيلا.

فلنثق في أنفسنا، ولنعد صياغة تفكيرنا بصورة إيجابية، ولتكن النظرة مصوبة تجاه هدفنا المشترك، ولننح ـ قليلا ـ غاياتنا الخاصة، ومنافعنا الشخصية، فالعمل الجماعي كفيل بعد الله بتحقيق هذه وتلك.