في 10 من أكتوبر عام 1759م؛ قال الفيلسوف والمسرحي الفرنسي فولتير "في المسرح وحده تجتمع الأمة؛ ويتكون فكر الشباب وذوقه؛ وإلى المسرح يفد الأجانب ليتعلموا لغتنا؛ لا مكان فيه لحكمة ضارة؛ ولا تعبير عن أية أحاسيس جديرة بالتقدير إلا وكان مصحوبا بالتصفيق؛ إنه مدرسة دائمة لتعلم الفضيلة"! والمتأمل في تاريخ هذه المقولة يجد أن بينها وبيننا قرنين ونصف القرن؛ وللأسف ما يزال كثيرون لا يستوعبون الدور المهم له في حياة المجتمع وشبابه في تعزيز القيم والهوية؛ وما يزال هناك ظنٌ أن وجوده وأهدافه تنحصر في مجرد التهريج والضحك والنكتة! ما يزال هناك من يتوجس منه ويرتاب فيه وينتقص من أصحابه رغم أن الزمن سبقنا هو وآخرون معه؛ حتى بتنا خارج "المنصة" الإبداعية للمسرح؛ سوى اجتهادات لبعض المشتغلين من المسرحيين نراهم في المواسم الثقافية محليا كمهرجان الجنادرية أو مشاركين خارج حدودنا على المسارح العربية؛ ورغم التحديات منهم من صنع الدهشة بعروض مميزة ومنهم من حصد جوائز رفيعة أمام الآخر؛ والذي لا يعرف من المسرح السعودي عندنا سوى مشروع الراحل أحمد السباعي في حي "جرول" بمكة المكرمة بداية الستينات الميلادية؛ والذي أقفل قبل افتتاحه بليلة.
وفيما يبدو أن دهشة الآخر صنعت معرفة بكائن اسمه"مسرح" يتنفس على هذه الأرض الطيبة؛ فقد تمت الموافقة على افتتاح مكتب الهيئة الدولية للمسرح التابع للمنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم المعروفة بـ"اليونسكو"؛ وتم اختيار المسرحي الأستاذ إبراهيم عسيري مديرا له ومدينة الطائف مقرا؛ ليصب أعماله في الاهتمام بالفنون الشعبية والنشاط المسرحي.
ولا شك أن افتتاح "اليونسكو" مكتبا لها في السعودية يعطي من الحيوية بأن المسرح هنا أصبح كيانا معترفا به في الخارج؛ رغم أنه لا يُبارح مكانه في الداخل؛ وكما أخبرني "عسيري" الذي بدا متحمسا لهذا المشروع الثقافي؛ عن أهم أهدافهم بتفعيل حضوره في نشر الوعي الاجتماعي بأهميته كأداة حضارية وثقافية؛ والحرص على تدريب الكوادر المسرحية؛ والاستفادة من الخبرات العالمية لـ 191 دولة منتمية لمنظمة "اليونسكو "التي تتخذ باريس مقرا لها؛ وذلك بإقامة ورش وندوات ثقافية وتدريبية وغير ذلك؛ فالحلم كبير جدا؛ ولكن ما أتمناه فعلا؛ هو أن يتواصل ويتعاون منسوبو مكتب الهيئة وأعضاء مجلس جمعية المسرحيين السعوديين؛ لدفع الاهتمام بهذا الكائن الثقافي"الخديج" في حياتنا؛ وحتى لا تصبح "الطائف" أو المنطقة الغربية فحسب محل اهتمام المكتب الوليد الذي اتخذ مقره بها.
أخيرا؛ أتمنى لمكتب الهيئة وإدارته ومنسوبيه التوفيق والعطاء في مهمتهم؛ والتي ليست سهلة بالمرّة؛ فبث الحياة في "عروق" المسرح السعودي نصا وعرضا وعلما؛ مهمة ليست ببسيطة؛ وتحتاج لتعاون المؤسسات الثقافية الحكومية والقطاع الخاص وقبل ذلك وعي الشارع السعودي نفسه؛ ولن يكون ذلك إلا حين يُصبح المسرح ثقافة فكر؛ وفعلا منتظما تؤسسه قناعة اجتماعية تبصر جوهر قول الروسي الشهير ستانسلافكسي"أعطني مسرحا؛ أعطك شعبا مثقفا".