أسست الغرفة التجارية الصناعية مجلساً لتسويق جدة، باعتبارها مدينة اقتصادية وسياحية على مستوى المنطقة والعالم.. وقال الشيخ صالح عبدالله كامل رئيس مجلس الغرفة إن باكورة إنتاج هذا المجلس هي "مهرجان جدة للتسوق عام 2012 الذي انطلق قبل أيام تحت شعار "هيا جدة".. وإن هذا المهرجان هو ثمرة تخطيط مسبق ومنهجية علمية قابلة للتطبيق. ويقول مسؤولو المهرجان إن هدفه هو "إعطاء جدة طابعاً اقتصادياً وسياحياً جديداً في منظومة المدن الخليجية والعربية التي تقيم المهرجانات"، وإنه سيضع جدة على خريطة مهرجانات التسوق في المنطقة من خلال احتضان العائلة السعودية والخليجية، وإنه سيحقق لجدة مكانة بارزة في تجارة التجزئة وإشغال الفنادق والشقق المفروشة مع اضطراد زيادة الزوار.. ويتحدثون عن عوامل الجذب مثل توفر عشرات الأسواق التي تشهد موسم التخفيضات والتنافس على إغراء وإرضاء العملاء، إلى جانب الأنشطة الترفيهية المصاحبة لهذا المهرجان. ولا ينسون الحديث عن موقع جدة المميز في قلب المنطقة، حيث تصل الشرق بالغرب والشمال بالجنوب...
والحقيقة أن جدة هي أولى المدن السعودية التي أقامت المهرجانات في مواسم الإجازات، وعملت على توظيف مميزاتها المتعددة لتنشيط الحركة التجارية وإبراز دورها الاقتصادي واستثمار رغبة الكثيرين من سكان المملكة في زيارتها لموقعها البحري، وما تتسم به الحياة الاجتماعية من تسامح وقبول الزائر والترحيب به.. ففيها لا يشعر الوافد بالغربة، إذ تجمع "خارطة" سكانها كل أقاليم المملكة، بل تكاد تجمع كل أقاليم العالم.. وتجربتها في إقامة المهرجانات مرت بالعديد من "المحطات"، حققت في بعضها النجاح، كما تعلمت في بعضها دروس الإخفاقات. وقد وفر لها ذلك كله تراكماً معرفياً على صعيد المعلومات والتطبيق. ولا شك أن هذا "الرصيد" سيكون عنصرا مهما، مساعدا لمن يتصدى لمشروع "تسويق جدة" بصورة علمية مدروسة.
ونذكّر بأن مسيرة التجارب الماضية، شهدت رفع "لافتات" و"شعارات" لكل مهرجان، بحسب رؤية القائمين عليه وتجربتهم ونظرتهم إلى مفهوم "تسويق المدن". وتبدو تلك التجارب وكأنها كانت "تبحث" عن الطريق الصحيح الذي يوصلها إلى الصورة الحقيقية المتفقة مع طبيعة هذه المدينة وإمكاناتها وخصائصها المختلفة عن غيرها، بحيث يمكن تحويلها إلى "منتج" قابل للتسويق. واهتمت بعض تلك "اللافتات" بالتركيز على خصائص السكان.. تسامح أهل جدة وحبهم للحياة وللمرح، فرأينا لوحات تحمل "ابتسم فأنت في جدة" وركز البعض على مفهوم "جدة بوابة الحرمين" فاتجهت الاجتهادات لتشجيع القادمين للحج والعمرة للمرور على جدة. وفي فترة من الفترات رفعت لافتة "السياحة الطبية" وأن جدة قد تكون مركزاً طبياً يفد إليه الراغبون والمحتاجون من أبناء المملكة أو أبناء الخليج وبعض الدول العربية والأفريقية المحيطة بنا.. ثم ارتفعت الأصوات بمفهوم سياحة المؤتمرات والمنتديات واللقاءات العلمية، وكلها أصوات ولافتات لا تلبث أن تختفي أو تتراجع بحسب رؤية القائمين على المهرجانات لتسويق جدة.
وتاريخ المهرجانات السابقة الهادفة إلى ترسيخ مفهوم "تسويق جدة" ورصد تجربتها والرغبة في الخروج من "محطة التجارب" يدعو إلى طرح مجموعة من الأسئلة، بعضها تتعلق إجاباته بطبيعة جدة وميزتها النسبية، وبعضها يتعلق بما توفره القوانين والأنظمة التي تمكن القائمين على المشروع من تنفيذه دون عوائق. وأول هذه الأسئلة هو: هل درس مجلس تسويق جدة – بصورة علمية – واقع الخدمات في هذه المدينة والأسباب التي تشجع الناس على ارتيادها؟ وهل هناك دراسة ميدانية تطمئن الزائر أو الراغب في الزيارة على أن هذه المدينة فيها ما يشجعه على اختيارها دون غيرها؟ وهل الأنظمة والقوانين المعمول بها تساعد على تسويق جدة، بحيث تصبح منافسا حقيقيا على خريطة المهرجانات التسويقية في المنطقة؟ وهناك العشرات من الأسئلة التي "تحوم" حول قدرة جدة على منافسة غيرها من حيث الخدمات والترفيه وسهولة الوصول وأسباب الإقامة المريحة دون منغصات.
وإذا كان مجلس تسويق جدة لديه الإجابة على هذا النوع من الأسئلة وغيرها فأين هي؟ ولماذا يحتفظ بها لنفسه ولا يجعلها متاحة للناس؟ والحقيقة أنني تابعت تصريحات بعض المسؤولين عن المجلس والمنظمين للمهرجان فلم أخرج بنتيجة تطمئن على أن المشروع تجاوز ما مرت به جدة من "التجربة والخطأ"، فلا يزال الكلام يتسم بالعموميات، فحين يتحدث عن "احتضان الأسرة السعودية والخليجية" لا يوفر المعلومات التي تطمئن هذه الأسرة على أن جميع أفرادها سيجدون ما يحتضنهم ليتمتعوا بإجازاتهم مجتمعين دون أن "يشتتهم" ويفقدهم معنى الاجتماع.
فكرة تسويق المدن ليست جديدة، فهناك تجارب إقليمية ودولية ناجحة يمكن الاستفادة منها لتصميم "نموذج" يتلاءم ويتفق مع إمكاناتنا وقدراتنا وأنظمتنا.. وهذه المهمة ليست مما يترك للاجتهادات الفردية ونظرية التجربة والخطأ، بل تتطلب أن يتعامل معها "بواقعية" تستثمر العلم وتجارب الآخرين دون أن تتغافل عن الواقع الذي يفرض نفسه.. فإذا انعقدت النية وتم ترتيب الأسباب التي تسمح بإقامة مشروع كهذا فإن الأمر يتطلب إسناده إلى جهة متخصصة لها تجارب في هذا الحقل، ولديها من المعرفة ما يمكنها من "تفصيل" نموذج لجدة التي نريد والتي نستطيع وليست جدة الخيال أو الأحلام، وحينها نستطيع أن نقول إننا بدأنا مشروع "تسويق جدة" بعد أن نصمم لها الثوب والمحتوى الذي نريد ونستطيع – أكرر نستطيع – وقبل توفير ذلك ستظل "جدة السياحية" صورة خيالية نحلم بها ولا ندري متى تتحقق.