ملفان ملونان أحدهما أحمر والآخر أزرق يرصدان حالات الانتحار في جازان. الجهات الأمنية في المنطقة خصصت هذين الملفين دون معرفة السبب وراء ذلك، إلا أن الملف "الدموي" يرصد قضايا الانتحار التي تنتهي بموت الضحية، بينما الآخر يرصد حالات "الانتحار الفاشل".

وفيما تكتفي الجهات الأمنية برصد الحالات في هذين الملفين، إلا أن المشكلة تبدو أعمق من ذلك، كما يقول استشاري الطب النفسي الأستاذ المساعد في جامعة جازان الدكتور رشاد السنوسي، الذي أكد ارتفاع معدلات الانتحار في المنطقة بسبب الاكتئاب والفصام وتعاطي المخدرات، موضحا أن محاولات الانتحار للإناث أكثر من الذكور.

وعلمت "الوطن" أنه خلال عامين ماضيين سجلت شرطة المنطقة 29 حالة انتحار إضافة إلى 41 محاولة فاشلة للجنسين.

 




الملفان الأحمر والأزرق لدى الجهات الأمنية في جازان لا يفسران بوضوح سبب حوادث الانتحار، وكذلك المحاولات الفاشلة إلا بإصابة أولئك بـ "المرض النفسي" أو بـ"الضغوط النفسية"، فعلى مدى عامين ماضيين سجلت مراكز شرطة منطقة جازان 29 حالة انتحار بالإضافة إلى 41 محاولة فاشلة للجنسين، فيما سجل معدل انتحار الذكور ارتفاعاً لافتاً عن نظيره بين الإناث، فيما أشارت الإحصائيات إلى أن غالبية محاولات الانتحار التي انتهت بنجاح أو التي فشلت كانت تتم في غالبيتها في وضح النهار أكثر من تلك التي تجري في ظلمة الليل، في حين بقي سن الشباب هو المدون في صفحات الملفات حيث كانت أعمار المنتحرين مابين 19 إلى 30 عاما، وأن غالبيتهم يحملون مؤهلات لا تتجاوز المتوسطة.

الملفات الملونة

تصنيف القضايا الأمنية ومباشرتها يتم من خلال ملفين ساد التعارف عليها في مراكز الشرطة، فملف مباشرة القضية يكتسب اللون الأحمر، وعند إحالتها للتصنيف في قسم الجرائم تمنح اللون الأزرق، وبهذا يتم تصنيف قضايا الانتحار ومحاولة الانتحار ضمن ملفات زرقاء. وبحسب مصدر مطلع تحدث إلى "الوطن" فإن ملفات التحقيق ومباشرة الحوادث الجنائية تعنى بسرية كاملة وتصنف حسب نوع القضية، ولكن المصدر لم يفصح عن سر اختيار تلك الملفات، غير أنه أشار إلى أنها هي السائدة لدى مراكز الشرطة.

29 قضية انتحار

كشفت إحصائية حديثة لحوادث الانتحار في منطقة جازان حصلت عليها "الوطن" أن حالات الانتحار في جازان للعامين 1430 و1431 بلغت 29 حالة انتحار لجنسيات مختلفة منها 21 حالة انتحار تمت في وضح النهار، و8 حالات كانت في جنح الظلام، ومن بين تلك الحالات 13 حالة لمنتحرين ومنتحرات متزوجين والبقية عزاب، كما كانت الأغلبية للفئة العمرية المنتحرة مابين 19 عاما و30 عاما، ومستوياتهم التعليمية لا تتجاوز المرحلة المتوسطة. أما المرحلة الثانوية، والجامعية فقد خلت منها سجلات المنتحرين.

41 محاولة

وتشير الإحصائية كذلك إلى أنه تم رصد 41 محاولة انتحار بين الجنسين، منها 20 حالة انتحار بين الإناث، والبقية كانت بين الذكور ومن جنسيات مختلفة، وكان السواد الأعظم منهم من ذوي التعليم الابتدائي، والمتوسط و5 للتعليم الثانوي والجامعي، في حين أنه تم رصد 21 حالة انتحار أبطالها أصحاب مهن متنوعة.

النهار والليل

اختار المنتحرون وكذلك من حاولوا الانتحار وضح النهار وقتا لتنفيذ جريمتهم ضد أنفسهم، فقد انتحر 21 شخصا في النهار، في حين قرر 8 آخرون الانتحار في ظلمة الليل فشنقوا أنفسهم، أوغرسوا سكينا حادة في أجسادهم، ومنهم من ألهب النار في جسده، أما محاولو الانتحار فقد فضلوا أيضا النهار على الليل فاختار 34 منهم النهار، وبقي 7 أشخاص في جنح الظلام يحاولون تغطية محاولتهم التي سرعان ما انتهت بنقلهم للمستشفى.

دراسات أمنية

أوضح الناطق الإعلامي لشرطة منطقة جازان النقيب عبدالله القرني أن شرطة منطقة جازان تولي جميع الجرائم، ومعدلات ارتفاعها دراسات واسعة وترفعها لجهات الاختصاص، وأشار القرني من ضمن الحوادث التي يعنى بها المختصون في إعداد الدراسات في شرطة جازان حوادث الانتحار.

النساء الأكثر انتحاراً

استشاري الطب النفسي الأستاذ المساعد بكلية الطب بجامعة جازان الدكتور رشاد محمد السنوسي أشار إلى أن هناك ارتفاعا في معدلات الانتحار في منطقة جازان، موضحاً أنه على الرغم من كثرة محاولات الانتحار بين الإناث إلا أن طرق وأساليب الانتحار المستخدمة فيما بينهن أقل عنفاً وأقل خطورة عن تلك الأساليب التي تستخدم فيما بين الذكور، وهو ما يجعل معدلات الانتحار بين الذكور تبدو أعلى منها فيما بين الإناث.

وأرجع السنوسي أسباب الانتحار إلى عوامل كثيرة، أهمها الأمراض النفسية كالاكتئاب، والفصام، وحالات استخدام وتعاطي المخدرات، بأنواعها، إلى جانب الضغوط النفسية، التي تزيد كثيرا بسبب نمط الحياة المعاصرة المعتمد على المادية، والتناقض الشديد، والسرعة، وتـخلخل البناء الأسري، والاجتماعي، مما يؤدي إلى شـعور الفرد بالضعف وقلة الدعم عند تعرضه لمشكلات الحياة فيلجأ إلى التخلص من الحياة ذاتها.

وبين السنوسي أنه يلاحظ أن حالات الانتحار تتزايد في بلدان أكـثر من غيرها كاليابان، وألمـانيا التي يعزو الخبراء أسبابها إلى نمط الحياة الـصناعية القاسية كما تزيد في المجتمعات المستقرة مثل الدول الإسكندنافية كالسويد والدنمارك وذلك بسبب الفراغ الروحي والإيماني الذي له دور كبير رغم الرفاهية التي يعيشها الناس هناك.